التخطيط لهدم المسجد الأقصى ليس وليد هذه اللّحظة ؛ بل هو عمليّة قديمة جديدة تتكرّر وسوف تتكرّر ؛ لأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من العقيدة الصّهيونيّة ، وهي عقيدة لا تخصّ اليهود الصّهاينة وحدهم ؛ بل تخصّ قطاعًا كبيرًا من المسيحيّة البروتستانتية (المسيحيّة الصّهيونيّة).
ذلك أنّ تلك العقيدة المزعومة يؤمن أتباعها أنّ من شروط عودة المسيح ووقوع معركة (هرمجدون) للقضاء على الأشرار (المسلمين تحديدًا ، واليهود أيضا) ، وبداية ما يسمّى الألفية السعيدة - إنّ من شروط ذلك هدم المسجد الأقصى ، وإقامة هيكل سليمان في مكانه ؛ حيث يعتقد هؤلاء أنّ هيكل سليمان يقع تحت المسجد الأقصى ، وهكذا فنحن أمام قوى إسرائيليّة ويهوديّة صهيونيّة ، ومسيحيّة بروتستانتيّة صهيونيّة ، والأخيرة لها أتباع كثيرون في الدول البروتستانتية ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكيّة ، وبريطانيا ، واستراليا ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ فإنّ هناك داخل الولايات المتحدة نفوذًا قويًّا لتلك العقيدة ، وهناك كنائس تبشر بذلك ، وتدعو إليه ، وتجمع من رعاياها المال اللازم لتمويل عمليّة هدم المسجد الأقصى ، وبناء الهيكل ، ودعم إسرائيل سياسيًّا وإعلاميًّا كجزءٍ من تحقيق شروط عودة المسيح المزعومة ؛ كما تتمتع هذه الجماعة بنفوذٍ قويّ داخل الحزب الجمهوريّ في الولايات المتحدة ، ويتعاطف معها بصورة ضخمة رموز اليمين الأمريكي المحافظ من " ديك تشيني " إلى " دونالد رامسفيلد " إلى الرئيس " بوش " ذاته ، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق " رونالد ريجان " يؤمن مباشرة بتلك العقيدة المزعومة ، كما تمتلك تلك الجماعة قنواتٍ تلفزيونيّةً وإذاعيّة وصحفًا ، ويتبعها عددٌ كبير من القساوسة أمثال " باث روبرتسون " والأب " جراهام " وغيرهما.
وهكذا فنحن أمام تهديد جديّ مهما كان غريبًا ومتطرّفًا لهدم المسجد الأقصى . . . الأمر الذي يستدعي تحرّكًا شعبيًّا وحكوميًّا . . . عربيًّا وإسلاميًّا.
محاولات هدم المسجد الأقصى بدأت منذ عام 1969 م . . . أي بعد عامين فقط من الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس ؛ مما يؤكّد مدى تغلغل هذه الفكرة في العقل الصهيونيّ المسيحيّ واليهوديّ على حدٍّ سواء ، وقد كانت المحاولة الأولى لحرق المسجد الأقصى عن طريق البروتستانتي الأسترالي " مايكل روهان " في 21 / 8 / 1969 م ، ونلاحظ هنا أنّ ذلك الشخص ليس يهوديًّا ولا إسرائيليًّا ؛ بل مسيحيّ بروتستانتيّ أسترالي ، وقد تمّ القبض عليه واعترف بالموضوع إلا أنّ المحكمة الإسرائيليّة أصدرت أمرًا بإطلاق سراحه بدعوى أنّه مصابٌ بنوعٍ من الجنون المتقطع ، وأنّه أثناء المحاولة كان واقعًا تحت سطوة إحدى نوبات الجنون هذه ، وقد تكرّرت المؤامرات لحرق أو هدم المسجد الأقصى بعد ذلك مراتٍ كثيرة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : تآمر عدد من أتباع (عُصبة الدّفاع اليهوديّة) عام 1980م بقيادة " مائير كاهانا " و " باروخ غرين " وخطّطوا لنسف المسجد الأقصى ، وفي عام 1982م خطّطت جماعة سريّة صهيونيّة مكوّنة من (27) شخصًا بقيادة " يهودا عتسيون " لنسف المسجد الأقصى ، وعددٍ آخرَ من المساجد في القدس المحتلة ، وقد أُلقي القبض على هؤلاء وسرعان ما تمّ إطلاق سراحهم ، ولا يزال "يهودا عتسيون " حتى اليوم يحرّض علنًا على نسف المسجد الأقصى ، وفي عام 1989م قامت مجموعة من جماعة (غوش أمونيم) باقتحام المسجد الأقصى ، وهذه المحاولات . . . " محاولات اقتحام المسجد الأقصى " تتمّ سنويًّا ، وخاصة في الذكرى السنويّة لهدم هيكل سليمان المزعوم ، كما قام في نفس الإطار " أرئيل شارون " قبل أنْ يصبح رئيسًا للوزراء بدخول المسجد الأقصى عام 2000م ، وقد قامت الحكومة الإسرائيليّة وقتها بحراسته ، بِ(300 )جندي إسرائيلي ، وقد كانت هذه المحاولة سببًا في اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينيّة.
ونلاحظ هنا أنّ المؤسّسة الرسميّة الإسرائيليّة والتي لم تطلق بعد إشارة البدء في هدم المسجد الأقصى ، على أساس أنّ الظروف لم يتمّ إعدادها بعد في إطار حسابات معيّنة ؛ إلا أنّ تلك المؤسّسة تطرح حاليا فتح المسجد الأقصى لزيارة اليهود والصلاة فيه لليهود ، على غرار ما يحدث في الحرم الإبراهيمي بالخليل . . . الذي فرض عليه التقسيم الوظيفي ؛ فتحول إلى جامع وكنيس معًا. . . أي تتمّ فيه الصلاة للمسلمين واليهود على حدٍّ سواء كما أنّ المؤسّسة الرسميّة الصّهيونيّة تقوم من وقت لآخر بعمل ضربات ، وأنفاق ، ومشروعات مشبوهة حول المسجد الأقصى ، وتحته بهدف زعزعة أساساته تمهيدًا لهدمه أو سقوطه من تلقاء نفسه ، كما أنّ تلك المؤسّسة الرسميّة قد قامت بضمّ القدس رسميًّا بكاملها إلى دولة إسرائيل عقب احتلالها مباشرة ، وكثّفت عمليّات الاستيطان الإسرائيلي فيها وحولها وإنشاء مستعمراتٍ ، وهدم بيوت الفلسطينيّين فيها ، ومضايقتهم ، ودفعهم إلى ترك القدس ، وتغيير الطبيعة السكانيّة للمدينة ، وطمس المعالم الإسلاميّة والمسيحيّة فيها بهدف تحويلها إلى الطابع اليهودي ّ، وهذا كله في إطار هدم المسجد كمحصّلة ونتيجة ومن ثم بناء الهيكل!!.
ويعترف الصهيوني " شاحر زليغر " أنّه يوجد حاليًّا عدد من المنظّمات الإسرائيليّة متفقة فيما بينها على تدمير كل مساجد القدس في أثناء صلاة الجمعة بما فيها المسجد الأقصى ، وذلك بهدف تدمير المساجد ، وقتل أكبر عدد من المصلّين في نفس الوقت.
وفي الإطار نفسه تأسّست ما يسمى بِ " جماعة أبناء الهيكل " عام 1988م ، وحصلت على ترخيص رسميّ إسرائيليّ بممارسة نشاطها تحت مسمى (مؤسّسة العلوم والأبحاث وبناء الهيكل) ، وكان مؤسّسها هو " يسرائيل أرييل " ، ويقوم أعضاء هذه الجماعة المشبوهة حاليّا بجمع وإعداد المواد اللازمة الخاصّة ببناء الهيكل ، وقد أعدّت الجماعة رسمًا تخطيطيًّا للهيكل المزمع إقامته مكان المسجد الأقصى ، ويرى هؤلاء ضرورة هدم المسجد الأقصى عاجلا أو آجلا ؛ لأنّ هيكل سليمان - حسب زعمهم - يقع تحته مباشرة ، ويقول زعيم تلك الجماعة الحاخام " مناحم مكوبر " : " إنّه في كل الأحوال ، وتحت أي ظروف سوف يتمّ بناء الهيكل ، وسوف يتمّ هدم المسجد الأقصى ، وأنّه في الوقت الذي سنحصل فيه على الضّوء الأخضر سيتمّ بناء الهيكل خلال بضعة أشهر فقط باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجيّة ، وأنّ المساجد الموجودة في تلك المنطقة - بما فيها المسجد الأقصى ، وقُبّة الصخرة - هي مجرّد مجموعة من الأحجار يجب إزالتها ".