الفصل الأول
(إلى أرض إنكا )
استيقظت هذا الصباح ولم أكن أدرى أين أنا . مكثت فى الفراش
لحظة أفكر . وبعد بضع ثوان تذكرت . نعم ، لقد عدت إلى منزل فى القاهرة مع
والدىّ وأختى سميرة . سمعت فى الخارج تلك الأصوات الت اعتدت سماعها فى الحى
الذى نعيش فيه – الأطفال يلعبون فى الشارع ، وبائع الشمام ينادى على سلعته
، والسيارات تهدر عن بعد . سمعت صوت سميرة تقوم بعمل شىء فى المطبخ . ربما
كانت تعد القهوة . تنهدت ، فأنا لم أعد فى بيرو ، بل كنت فى منزلى .
نظرت
حول الغرفة ، فإذا بصورة توجد على المنضدة المجاورة لفراشى . التقطت
الصورة . كانت صورتى . كنت أنظر إلى الكاميرا وأرفع فى يدى تمثالا ذهبيا
صغيرا لأحد الحيوانات .
استلقيت على الفراش ونظرت إلى الصورة مرة
أخرى . تذكرت ذلك اليوم جيدا . فقد كان يوما طيبا . كل شىء كان يسير على ما
يرام . وكان الدكتور حافظ – قائد بعثة التنقيب عن الآثار – يشعر بالاثارة
حقا.
نعم ، لقد كان يوما طيبا . إلا أن بعض الأيام التى تلته لم تكن
طيبة بنفس القدر . فعندما تذكرت تلك الأيام شعرت برعشة أسفل ظهرى . أغمضت
عينىّ . سرعان ما فتحتهما مرة أخرى . وقلت لنفسى " اهدئى ، فقد انتهى الأمر
الآن ، وأنت فى أمان هنا فى القاهرة ..."
قد يبدو أن شهرين يمثلان
فترة زمنية طويلة . منذ شهرين كنت فى طريقى لبدء أكبر مغامرة فى حياتى .
كنت مستقلة سيارتنا مع سميرة. كانت تصحبنى إلى المطار . وكالمعتاد كان طريق
المطار مزدحما . ولحسن الحظ كنا قد انطلقنا مبكرين عن موعدنا ، فكان لدينا
قدر وافر من الوقت لكى نصل إلى المطار . وسميرة لا تتوقف عن الكلام على
الاطلاق . استمعت إليها ، ولم أكن أشعر بالقلق بشأن ازدحام المرور ، ونسيت
كم كنت متخوفة من الطيران .
قالت سميرة " من المؤكد أنالإثارة تملؤك
وأنت ذاهبة إلى بيرو"
قلت ، " نعم . بالطبع تملؤنى الاثارة حيث
إننى لم أسافر إلى أمريكا الجنوبية من قبل . ولكن – لأصدقك القول – لم يتح
لى وقت أشعر فيه بالاثارة حقا . فقد أمضيت معظم الليلة الماضية أحزم أمتعتى
. أوه ، أتمنى ألا أكون قد نسيت أى شىء " .
قالت سميرة " لا تقلقى
فدائما ما ينسى الانسان شيئا ما . إن آخر مرة سافرت فيها نسيت نصف حاجاتى .
فلم أستطع أن أفهم لماذا لم تكن أمتعتى أكثر ثقلا! " .
ضحكت . كانت
سميرة مرحة للغاية . فعندما تكون معها تنسى بسرعة أنك متخوف أو قلق . إننى
أختها ولكنى لست مثلها على الاطلاق . فأنا أقلق بشأن كل شىء .
استمرت
سميرة قائلة " يجب أن أخبر الدكتور حافظ بأن يعتنى بك جيدا . فأنا لا
أريدك أن تسقطى من أحد جبال الآنديز ، فأعمال التنقيب التى يقوم بها تتم فى
اعالى الجبال ، أليس كذلك ؟ " .
قلت : " نعم . إنها على ارتفاع ما
يقرب من ألفين وخمسمائة متر . وقد عاش أهل الإنكا على ارتفاعات شاهقة فوق
سطح البحر .
فمدينة ماتشوبتشا توجد على ارتفاع ثلاثة آلاف متر .
وكوزكو- وهى عاصمتهم – تزيد ارتفاعا عن ذلك . حقا كان هؤلاء الناس فى إنكا
يتميزون بالخشونة والصلابة . إن ما أنجزوه مثير للدهشة . هل علمت أنه لم
يكن لديهم أى كتابات ومع ذلك حكموا إمبراطورية ضخمة !
" نعم أحد
ملوك تشيمو . فقد عزا أهل الانكا أرض أهل تشيمو الذين كانوا مشهورين
بالأعمال الفنية الذهبية والفضية . فمعظم الأعمال الفنية الذهبية لأهل
الإنكا مصنوعة بواسطة اهل تشيمو فى واقع الأمر . وإذا ما اكشفنا مقبرة ملك
فسوف يكون رائعا أن نجد بعض أعمالهم ، حيث لم توجد الأشياء المصنوعة من
الذهب إلا عند الملوك والنبلاء ".
قالت سميرة : " يا له من شىء
مثير! "
واصلت قائلة : " سوف آخذ معى أيضا آلة صغيرة للدكتور حافظ ،
وأعطيه تفاصيل أسلوب جديد قام بتطويره قسم الآثار هنا فى القاهرة. فقد
اكتشف الباحثون طرقا جديدة لاكتشاف عمر الأشياء المصنوعة من الخشب أو
القماش ، ونأمل أن نستخدمها فى الحفريات التى سنقوم بها فى بيرو " .
"
هل هذا هو أسلوب تحديد التاريخ بالكربون ؟ " .
" لا ، فهو يستخدم
جهاز ليزر صغيرة ليحدد تاريخ الأشياء . إنه يمثل أحدث تكنولوجيا وجميع ما
هو جديد ... "
" أهو سر أيضا ؟ " .
توقفت وفكرت للحظة . "
حسنا . نعم ولا . فقليل من الناس من يعلمونه ، ولذلك نعم ، هو يعتبر سرا .
ونحن نريد أن نكون أول من يستفيد منه " .
"أسرار أحد قبور إنكا .
سوف يكون هذا عنوان جيد لمقال عن حفرياتك ، أليس كذلك ؟ " .
ضحكت .
إن سميرة تعمل كمراسلة صحفية لإحدى الصحف بالقاهرة وهى دائما تبحث عن
مقالات جيدة لصحيفتها .
واصلت سميرة قائلة : " من المؤكد أنه سيكون
لديك العديد من القصص الشقية . فمثلا " عالمة آثار مصرية تكتشف كنز إنكا "
أو شىء من هذا القبيل . إننى لأرى العناوين الرئيسية فى الجرائد الآن " .
ضحكت
مرة أخرى . إن سميرة رائعة والحماس يملؤها على حد كبير
أصدرت
السيارة الموجودة خلفنا صوت آلة التنبيه الخاصة بها ، فنظرت إلى أعلى فإذا
بإشارة المرور قد تغيرت إلى اللون الأخضر . نظرت سميرة فى مرآتها وانطلقت
مسرعة . سرعان ما وصلنا إلى المطار . قدمت أوراقى الخاصة برحلة الطيران إلى
مكتب فحص الجوازات . عانقتنى سميرة وقبلتنى على الخد وبدأت تبكى قليلا .
تنهدت
بحزن قائلة : " إنك ذاهبة بعيدا جدا " .
" الأمر هين يا سميرة .
أنا ذاهبة لبضع أسابيع فقط " .
قالت ودموعها تسيل : " سوف أفتقدك يا
أختى الكبيرة " .
" وأنا أيضا سوف أفتقدك . إننى لا أحسن مداومة
الاتصال عندما أكون فى عملى . إلا اننى سوف أرسل لك بطاقة بريدية – أو ربما
رسالة بريد إلكترونى ! " .
الفصل الثانى
(رجل على متن الطائرة )
ليس هناك رحلات طيران مباشرة من القاهرة إلى
ليما، عاصمة بيرو . ولذلك كان يجب أن أسافر جواً‘لى نيويورك ثم أكمل الرحلة
بطائرة أخرى . لقد كانت رحلة الطيران طويلة فقرأت كتاباً فى البداية ثم
غلبنى النوم . عندما وصلنا إلى نيويورك كنا لا نزال فى نهار ذلك اليوم ـ
حيث إن نيويورك متأخرة عن توقيت القاهرة بسبع ساعات .
وكان موعد
إقلاع رحلتى القادمة فى الصباح الباكر من اليوم التالى .
أقمت فى
فندق بالمطار حيث كان كل شئ مختلفاً كثيراً عن القاهرة .
فى الصباح
التالى ركبت متن الطائرة المتجهة إلى ليما بعد السادسة صباحاً مباشرة .
وكنت قد طلبت أن أجلس فى مقعد بجوار النافذة . كنت خائفة جداً ولكنى فى نفس
الوقت محبة للاستطلاع . وعند إقلاع الطائرة من نيويورك نظرت إلى أسفل على
ناطحات السحاب بالمدينة . كانت المبانى العالية تلمع فى ضوء الشمس فى
الصباح الباكر.
قال الرجل الذى يجلس بجوارى : "جميل ، أليس كذلك؟ ".
قلت
: " نعم . إنه مدهش " .
سألنى : " هل كانت هذه أولى زياراتك إلى
أمريكا ؟".
" حسناً . لقد استبدلت الطائرة فقط هنا فى نيويورك . حيث
وصلت الليلة الماضية . ولذلك يصعب أن نسميها زيارة . لكن ، نعم ، هى زيارة
" .
التفت لأنظر إليه فشاهدت رجلاً فى منتصف الثلاثينات من عمره،
ذا شعر أشقر ووجه أسمر . وكان مرتدياً قميصاً أزرق شامراً أكمامه ، لم يكن
يشبه رجال الأعمال ولكنه لم يكن يشبه السائحين أيضاً . تساءلت . ما نوع
العمل الذى يمارسه ؟ وكان من الصعب معرفة ذلك . كان يبدو وكأنه يعمل خارج
المكتب كثيراً .
سأل قائلاً " هل أنت ذاهبة إلى بيرو لقضاء أجازة ؟ "
.
قلت : " لا ، ليس بالفعل . إنها رحلة عمل " .
فقال : "
وأنا أيضاً ، فأنا مهندس تعدين " .
كنت قد قرأت الكثير عن بيرو فى
الأسابيع القليلة الماضية وعملت بمناجم النحاس والفضة فيها .
سألته :
" أى أنواع التعدين تقوم به فى بيرو ؟ نحاس أم فضة ؟ "
ابتسم وأجاب
قائلاً : " أوه . هناك الكثير من مناجم النحاس ومناجم الفضة بالفعل فى
بيرو . إننى أبحث عن أماكن يوجد بها أشياء أخرى شيقة يمكن الكشف عنها " .
تساءلت
ماذا كان يقصد بذلك . ربما لم يشأ أن يقول أى شئ محدد عن عمله ، ومع ذلك
فقد آثار هذا الموضوع اهتمامى ، وبرغم كل شئ فالتعدين والآثار تجمعهما
أشياء مشتركة .
كانت لهجته غريبة . ظننت أنه قد يكون المانى الجنسية
. فهو لم يكن أمريكيا ، وأنا متأكدة من ذلك .
سألته : " هل يتطلب
عملك أن تجوب جميع أرجاء بيرو ؟ ".
" هذا صحيح ، فأن أعمل فى جميع
أنحاء القطر . إن مقر عملى فى الولايات المتحدة ولكنى أقضى بضعة أشهر من كل
عام فى بيرو " .
" هل أنت أمريكى ؟ "
قال : " حسنا . إننى
أحمل جواز سفر أمريكيا إلا أننى ولدت فى جنوب أفريقيا . وماذا عنك ؟ لقد
قلت أنك ذاهبة إلى بيرو فى مهمة عمل . هل لى أن أسأل أى نوع من الأعمال ؟ "
.
وهكذا أخبرته عن الحفر الأثرى وأنه جزء من برنامج تبادل تابع
لمنظمة اليونسكو . وعندما سمع أننى عالمة آثار ، بدا عليه الاهتمام التام
بعملى .
" هل يعنى هذا البرنامج التابع لمنظمة اليونسكو أن علماء
آثار من بيرو يعملون فى مصر ؟".
قلت :"نعم . إنها لفكرة شيقة ذلك أن
هناك بعض أوجه الشبه بين القدماء المصريين والشعوب القديمة فى امريكا
الجنوبية " .
" إذن هل أنت مصرية ؟ " .
" نعم . أنا مساعدة
بحث بجامعة القاهرة " .
" ما الذى جعلك تختارين موضوع الآثار
للدراسة ؟ " .
" حسناً . إن الدكتور حافظ ، وهو صديق قديم للعائلة ،
عالم آثار مشهور . وكان مع والدى فى المدرسة . وعندما كنت صغيرة كنت أحب
أن أستمع إليه ، حيث اعتاد أن يخبرنا عن العمل الذى كان يقوم به . أحياناً
كان يطلعنا على صور لأشياء عثر عليها من قبل . وهى أشياء
يرجع
تاريخها إلى الاف السنين. وكان ذلك شيئا مثير جدا. فقعدت العزم أن أحذو
حذوه".
"هل درست معه فى القاهرة؟".
"لا.لم أعتقد أنها فكرة
جيدة جداً. فربما ظن الناس أنه يعاملنى معاملة خاصة. فهو لن يفعل ذلك ولكنك
تعرف كيف يتحدث بعض الناس. فى الواقع لقد حصلت على درجتى العلمية فى روما
من معهد الاثار الإيطالى".
"أين كان الدكتور حافظ يعمل؟هل فى
الأقصر؟".
أجبت:" نعم هذا صحيح".
سأل الرجل:"هل كان يعمل فى
وادى الملوك؟".
أجبت :"لا. بل فى وادى النبلاء. فقد عملنا هناك
سويا.
وكان هذا أول عمل حفر بالنسبة لى. اكتشفنا مقبرة بها رسومات
رائعة لطيور وحيوانات على الحوائط.وكانت الألوان زاهية وكأنها قد نقشت
بالأمس. لقد كانت مذهلة. كان بها بعض المجوهرات الجميلة".
سأل
قائلا:"هل تأملين أن تجدى مقابر مثلها فى بيرو؟".
قررت أننى لا أرغب
فى أن أخبر هذا الرجل المزيد من المعلومات أكثر مما يجب. فقد كان يتحدث
بسهولة وثقة إلا أنه كان يطرح الكثير من الأسئلة. ربما يكون ذلك طبيعيا على
متن طائرة، غير أننى لم أشعر بالارتياح الشديد. لحسن الحظ حضر مضيف الرحلة
فى هذه اللحظة ومعه المشروبات والطعام. بعد ذلك فتحت حقيبة أوراقى وأخرجت
بعض الأوراق التى أحضرتها معى من القاهرة للدكتور حافظ. بدأت أقرأ تلك
الأوراق وكانت شيقة تماما، وكلها عن أحدث التطورات فى بحوث الاثار. وعندما
انتهيت طويت الأوراق ووضعتها فى جيب المقعد الموجود أمامى.
بعد
الغذاء تم عرض فيلم لكنى لم أشاهده، فمن المؤكد أننى كنت نائمة طوال مدة
الفيلم. كانت كابينة الطائرة ما زالت مظلمة عندما استيقظت. مددت ذراعى
وأرجلى وتلفت حولى وأنا فى المقعد. فتحت عينى قليلا. رأيت الرجل يبحث عن
شئ. تثاءبت وتظاهرت بالاستيقاظ.
قال:"اسف. هل أيقظتك؟ لقد كنت أبحث
فقط عن مجلة خطوط الطيران، إذا لم أجد نسختى منها".
قلت:" تفضل. خذ
مجلتى". أخذ المجلة وبدأ يقرؤها وأغمضت عينى. لكنى لم أنم هذه المرة.
لم
نتحدث مرة أخرى حتى صرنا على وشك الهبوط فى ليما. نظرت من االنافذة حيث
كنت حريصة على أن أرى ليما لأول مرة، غير أنه كان هناك سحاب كثيف فوق
المدينة.
قال الرجل:" يوجد مثل هذا السحاب الكثيف فوق ليما بصفة شبة
دائمة. إنه لشئ يصيب بالإحباط. أليس كذلك؟".
أجبت:" بلى. ولكنى لن
أقيم فى ليما. سوف يقابلنى الدكتور حافظ فى المطار ثم نستقل الطائرة إلى
كوزكو".
"فهمت. إذن هل ستعملين فى كوزكو؟".
أجبته:" نعم. فى
منطقة كوزكو". لم أشأ أن أخبره بدقة عن المكان الذى يقوم فيه الدكتور حافظ
بالحفريات.
أضاءت عيناه وقال : " فى هذه الحالة قد آراك مرة أخرى ،
فسوف يكون عملى أنا أيضا هنا وهناك فى كوزكو . وبالمناسبة اسمى مارتن لاندر
"
أومأت ولكنى لم أقل أى شئ . الآن بدأت الطائرة فى الهبوط . أشعر
بالخوف عندما تقلع الطائرة، ولكنى أشعر بخوف أشد عند هبوطها . لا أدرى سبب
ذلك . إنه لشئ سخيف حقا . عندما أرى الأرض صاعدة لتقابل الطائرة فإننى أشعر
بالغثيان تماماً . أمسكت ذراعى مقعدى بيدى بشدة . يجب أن أتذكر ألا أطلب
المقعد المجاور للنافذة عند سفرى بالطائرة المرة القادمة .
فى هذه
المرة قام الطيار بهبوط مثالى , لم نكد نشعر بأى مطب. ومع ذلك فقد تنفست
الصعداء عندما سمعت الإعلان . " مساء الخير سيداتى وسادتى . لقد هبطنا الآن
فى مطار ليما الدولى . التوقيت المحلى هو الثالثة والنصف بعد الظهر " .
كان
هناك صف من الناس عند نقطة فحص الجوازات . وبدا أنه يجب أن أنتظر لفترة
طويلة . كنت أدرى أن مارتن لاندر كان خلفى مباشرة ولكنى تظاهرت بعدم رؤيته .
يجب ألا تتحدثى مع الناس بعد مغادرتك للطائرة . فعندما تكونون على متن
الطائرة فأنتم أصدقاء ، لكن بمجرد مغادرة الطائرة تصبحون غرباء مرة أخرى .
إنه لأمر غريب حقاً .
وفى النهاية جمعت أمتعتى ومررت عبر الجمارك .
أرادوا أن يفحصوا كل شئ فى أمتعتى بعناية وخاصة آلة الليزر . لكنى شرحت لهم
أننى أعمل ضمن مشروع أثرى تابع لمنظمة اليونسكو . أطلعتهم على بعض الأوراق
وبعد ذلك سمحوا بالمرور . ذهبت إلى صالة الوصول . كان هناك حشد كبير من
الناس ينتظرون . لكن لم يمض وقت طويل حتى سمعت صوتاً ينادى باسمى .
"
ليلى ! ليلى ! ها هنا " .
إنه الدكتور حافظ . ابتسمت ولوحت إليه
بيدى . كان مسروراً جداً لرؤيتى .
قال : " إنه لشئ رائع أن اراك يا
ليلى . كيف حالك ؟ كيف كانت رحلتك ؟ وكيف حال والدك ؟ سميرة ؟
العديد
من الأسئلة ! وقد كنت متعبة . متعبة إلا أننى أشعر بالإثارة لوصولى .
"
كل من فى القاهرة بخير يا دكتور حافظ . الجميع يرسلون لك التحية . والرحلة
كانت جيدة إلا أنها كانت طويلة جداً . إن هذا هو أطول وقت مكثت فيه فى
الجو طوال حياتى " .
سأل الدكتور حافظ : " هل أحضرت الليزر ؟ " .
"
نعم ، بالطبع . سألونى عنه فى الجمارك .... " .
كان الدكتور حافظ
يحدق النظر فى شخص ما خلفى . بطريقة أو بأخرى عرفت أنه مارتن لاندر حتى قبل
أن ألتفت . لم أكن أدرى ما أفعل . قررت أن أقدم كلا منهما إلى الآخر . قلت
" أوه . دكتور حافظ هذا هو السيد لاندر . لقد قابلته على متن الطائرة " .
بدا
أن الدكتور حافظ فى حيرة من أمره وسأل : " ألم نتقابل من قبل فى مكان ما ؟
فى منطقة ماتشوبتشا ، أليس كذلك ؟ لقد كنت تقوم ببعض العمل الخاص بالآثار
هناك " .
ضحك لاندر . " لا . للأسف لم أكن أنا . إننى مهندس تعدين
ولست عالم آثار . أنا متأكد أننا لو تقابلنا من قبل كنت سأذكر ذلك .
ولكن
من دواعى سرورى أن أقابلك الآن . لقد أخبرتنى مساعدتك عن عملك فى مصر ".
أشرقت
عينا الدكتور حافظ . وقال : " آه . نعم حفريات وادى النبلاء " . " مقابر
رائعة ... " .
" دكتور حافظ . أعتقد أنه يجب أن نمضى . فالطائرة
المتجهة إلى كوزكو تقلع قريباً جداً ، أليس كذلك ؟ " .
" أهذا صحيح ؟
أوه . نعم ، أعتقد أنك على صواب . حان الوقت ؟ يا إلهى . علينا أن نسرع .
سررت لمقابلتك يا سيد ماندر " .
لم يصحح مارتن لاندر هذا الخطأ فى
نطق اسمه . قال " أتمنى أن نتقابل مرة أخرى فى بيرو " .
الفصل الثالث
رحلة طيران إلى كوزكو )
كانت الطائرة المتجهة إلى كوزكو
كاملة العدد . أقلعنا من ليما وسرعان ما خلفنا وراءنا السحاب الكثيف . نظرت
إلى أسفل ورأيت السهل الساحلى . كان يبدو جافاً جداً وذكرنى بصحراء مصر .
لكن بعد مرور وقت قصير بدأنا نرتفع فوق الجبال . كانت هذه الجبال خضراء ـ
كانت مغطاة بالأشجار والشجيرات . وكانت الجوانب شديدة الانحدار ، ورأيت
أنهاراً سريعة التدفق .
كانت هناك مجموعة كبيرة من السائحين الألمان
على متن الطائرة . لكننى والدكتور حافظ استطعنا أن نجلس معاً . تصفح
الأبحاث التى كنت قد أحضرتها معى . وأثناء قراءته كان يومئ لنفسه .
قال
: " نعم . تماماً مثلما اعتقدت . حسن " .
وضع الأبحاث جانباً داخل
حقيبة أوراقه .
قال : " متأسف يا ليلى ، ولكن كان يجب فقط أن أقرأ
هذه الأبحاث التى أحضرتها . فهذه الأبحاث تبين أننا نعمل على نحو صحيح.
سألته
عن سير الحفريات .
قال : " نحن نحفر أحد المواقع بالقرب من كوينكو .
إنها تبعد حوالى ثلاث ساعات بالسيارة عن كوزكو . نحن نوقن الآن أن مدينة
عظيمة كانت توجد هناك فى ما مضى .
" إن هذا لشئ مثير حقاً ، أليس
كذلك ؟ " .
ابتسم الدكتور حافظ . " نعم إنه مثير . بالطبع يعرف
الجميع ماتشوبتشا – مدينة إنكا العظيمة التي فقدت منذ مئات السنين . إن
أولئك السائحين الألمان لذاهبون إلى هناك دون شك . ونحن نوقن أن هناك مدنا
أخرى تابعة لإنكا ومدنا خاصة بالشعوب التى قهروها . وبعض هذه المدن لم
تكتشف بعد . ليس بعد على أى حال " .
فهمت أن الدكتور حافظ لديه شىء
يريد أن يخبرنى به . فسألته : " ماذا وجدتم ؟".
نظر الدكتور حافظ
حوله لكن الألمان كانوا يضحكون ويتحدث بعضهم إلى بعض . لم يكن أى أحد يستمع
إلى حوارنا .
واصل الدكتور حافظ قوله : " لقد أتيت فى توقيت جيد يا
ليلى ". ثم قال بصوت خفيض : " منذ يومين وجدنا حائطا فى المدينة . نحن نظن
أنه حائط مقبرة . سوف ندخل إلى المقبرة من خلاله هذا الأسبوع".
عندئذ
شعرت بالاثارة فعلا . قلت : " مقبرة !! ... أى نوع من المقابر ؟".
قال
: " قد تكون مقبرة أحد الملوك " .
" كيف عرفت ؟" .
" توجد
بعض العلامات على الحائط . وتوجد أيضا صورة لحيوان اللاما . وهذه علامة على
أنها قد تكون مقبرة ملكية " .
لم أقل شيئا ، بل نظرت إليه وحسب .
ضحك الدكتور حافظ .
" إنه لأمر عجيب ، أليس كذلك ؟ ها نحن هنا .
اثنان من المصريين يحفرون مقابر إنكا القديمة . لكن خبرتنا فى وادى النبلاء
مفيدة حقا . إنه لأمر مشوق جدا أن نكتشف أوجه الشبه والاختلاف بين طرق دفن
أهل الانكا والقدماء المصريين لموتاهم ".
واصل الدكتور حافظ قوله
:" على سبيل المثال وضع أهل الانكا والقدماء المصريين أشياء من الذهب
والفضة بجوار أجساد ملوكهم ، وألبسوهم ملابس جميلة ، ووضعوا أقنعة ذهبية
على وجوههم ، ووضعوا تماثيل ذهبية للحيوانات داخل المقابر ، وكذلك وضعوا
الطعام والشراب بجوارهم . كانوا يؤمنون بأن ملوكهم وملكاتهم سوف يحتاجون
إلى الطعام والشراب عند دخولهم إلى الآخرة ".
" هل قام أهل الإنكا
بتحنيط ملوكهم وملكاتهم كمومياوات ؟ "
قال الدكتور حافظ : " نعم ،
فعلوا ذلك . لقد تم تحنيط ملوك الإنكا . وهناك شىء شيق بالفعل لم يحدث فى
مصر . ففى الأعياد الهامة من كل عام كانوا يضعون مومياوات الملوك على محفات
ويكسونهم ملابس أنيقة ويمرون بهم عبر الشوارع !" .
" إذن كانت هناك
بعض الاختلافات بين ما فعله أهل الإنكا وما فعله القدماء المصريون ؟ " .
"
نعم ، بالطبع . وقد فعل أهل الإنكا شيئا آخر لم يفعله القدماء المصريون
على الاطلاق ".
سألته : " وما هذا الشىء ؟".
وللمرة الثانية
نظر الدكتور حافظ حوله وكأنه لم يرغب فى أن يسمع أحد ما كان ينوى قوله . "
قتل أهل الإنكا النساء والخدم ودفنوهم مع الملك بغرض أن يتولوا رعاية الملك
فى الآخرة " .
بعد ذلك لم نتحدث لبضع دقائق . التفت الدكتور حافظ
ونظر من النافذة . كنا نطير فوق جبال مرتفعة . كان الجليد يغطيها .
قلت
: " جبال الأنديز . إنها جميلة . أليس كذلك ؟ لم أر قط مثل هذه الجبال من
قبل ".
أومأ الدكتور حافظ . " إن بعض قمم الجبل تزيد على ارتفاع ستة
آلاف متر . إنه لمن المذهل أن نتصور أننا لسنا بعيدين عن خط الاستواء ومع
ذلك يوجد الجليد بصفة دائمة ".
ومرة أخرى سكت الدكتور حافظ برهة .
ثم التفت إلىّ قائلا :
" ليلى . ذلك الرجل الذى قابلناه فى المطار .
ألم يكن اسمه ماندر ؟" .
" لاندر . مارتن لاندر . قال إنه يعمل لدى
شركة التعدين المتحدة " .
" أنا متأكد أننى قابلته من قبل . ومع
ذلك لم يكن يدعى لاندر . كان يعمل لدى شركة التعدين المتحدة ، إلا أنه تورط
مع بعض من الناس الذين كانوا يأخذون أشياء من إنكا إلى الخارج . أعتقد أنه
اضطر إلى ترك وظيفته فى شركة التعدين المتحدة . وهذا أمر آخر . إننى لا
أعتقد أن التعدين المتحدة تزاول عملها الآن فى بيرو" .
" نعم . قد
تكونين على صواب . لكن من المؤكد أنك لست شديدة الحرص . أنت لم تخبريه عن
أى شىء يخص عملنا فى بيرو ، أليس كذلك ؟".
شعرت بوجهى يزداد حرارة .
تذكرت الأسئلة التى طرحها علىّ مارتن لاندر . " حسنا . لقد أخبرته القليل
عن عملنا . ولكن ليس الكثير ".
بدا على الدكتور حافظ جدية الأمر . "
يجب أن تكونى حريصة يا ليلى . هناك أناس يأتون إلى بيرو وينقبون عن الآثار
فى مدن إنكا القديمة . إنهم ليسوا علماء آثار مثلنا ، ولا يهتمون بالأشياء
الخاصة بالماضى . إنهم يقتحمون المقابر ويجدون اشياء من الذهب والفضة
ويأخذونها خارج البلاد . يجب أن توضع هذه الأشياء فى المتاحف كى يشاهدها كل
الناس . لكن اللصوص يبيعونها إلى هواة جمع المقتنيات من الأغنياء ".
"
ألا يعلم هؤلاء الهواة أن هذه الأشياء مسروقة ؟ ".
" بعضهم يعلم
وبعضهم لا يعلم . إلا أن معظمهم لا يبالون.
لذلك كونى حريصة فى ما
تقولين ومع من تتحدثين يا ليلى ".
قلت : " نعم يا دكتور حافظ " .
"
على أية حال أريد قبل أن نهبط أن أتحدث إليك قليلا عن عملنا وكيفية
تنظيمنا . هناك فريقان تحت إدارتى . سوف تكونين مسئولة عن فريق واحد يتألف
من ثلاث علماء آثار محليين . إننى أرى أنه من الأفضل تكوين فرق صغيرة بدلا
من فريق واحد كبير . أنا أحتاج إلى شخص يفهمنى ، شخص يمكننى أن أثق به .
لهذا كنت حريصا جدا على أن تأتى إلى بيرو . أرى أنه فى بعض الأحيان يمكن أن
يكون الوضع صعبا هنا . فلدى أهل البلد المحليين أفكار مختلفة . وبما أننى
لا أتحدث الأسبانية وهم لا يتحدثون العربية فعلينا أن نستخدم اللغة
الانجليزية . أحيانا لا افهم لغتهم الانجليزية . أعتقد أن الأمر بحاجة إلى
شخص اصغر سنا ".
اندهشت فى الحقيقة وقلت : " لكن يادكتور حافظ هل
أنت متأكد أنها فكرة صائبة أن أكون مسئولة عن فريق ؟".
" نعم ،طبعا .
لا تقلقى فكل شىء سوف يكون على ما يرام ".
ظهرت علامة ربط أحزمة
المقاعد ، وبدأت الطائرة فى الهبوط . وأبلغنا مضيف الرحلة أننا سوف نصل إلى
كوزكو خلال عشر دقائق . ربطت حزام مقعدى ولكن يدىّ كانت ترتعشان قليلا .
نظر الدكتور حافظ إلىّ .
قال : " تبدين شاحبة بعض الشىء . هل أنت
بخير ؟ "
قلت : " نعم ، بالطبع . إننى لا أحب الهبوط ، وخاصة فى
طائرات صغيرة كهذه الطائرة " .
لكننى كنت أفكر أيضا فى ما قاله
الدكتور حافظ . أنا مسئولة عن علماء آثار محليين ؟ لم أكن أتوقع ذلك .
ارتطمنا
بالأرض بشدة ولكن خفضت الطائرة فى الحال . وكان الصوت الصاخب المعتاد الذى
يخيفنى دائما . ودرجنا بالطائرة على سطح الأرض فى اتجاه صالة وصول مطار
كوزكو.
سأل الدكتور حافظ : " هل أنت بخير الآن يا ليلى ؟ "
حاولت
أن أبتسم . " نعم ، شكرا . أنا بخير " .
كان مطار كوزكو صغيرا جدا .
خرج السائحون الألمان أولا . وكان رجال ونساء من شركتهم السياحية
ينتظرونهم بوجوه باسمة . حتى انصرفت جماعة السياحة من الطريق أمامنا .
التقطنا حقائب السفر الخاصة بى واتجهنا نحو منفذ الخروج . كان فى انتظارنا
امرأة تقاربنى فى السن . كانت مرتدية بنطلونا وقميصا بنيا ومعطفا قصيرا .
"
ليلى ، أود أن أقدم لك إيماليا جوزمان وهى إحدى علماء الآثار المحليين
الذين يعملون معنا فى حفرياتنا . إيماليا ،أقدم لك ليلى القصبى . لقد سافرت
جوا من مصر حتى هنا لكى تعمل معنا ".
تصافحنا .
سألتنى
إيماليا : " هل كانت رحلتك طيبة ؟ " .
" نعم ، لقد كانت حسنة ،
ولكنى أشعر بالتعب بعض الشىء " .
قال الدكتور حافظ : " إن ليلى لا
تحب الطيران " .
قالت إيماليا : "يؤسفنى سماع ذلك " ، نظرت إلى
دونما ابتسامة ، ثم التفتت إلى الدكتور حافظ .
قالت إيماليا : " إن
سيارة اللاندروفر معى هنا يا دكتور حافظ . دعنى أساعد فى حمل أغراضك " .
رفض
الدكتور حافظ عرض المساعدة منها . كان معى حقائب سفر أكثر من الدكتور حافظ
بكثير ، لكن إيماليا لم تعرض على المساعدة. وبدلاً من ذلك التفتت وسارت
أمامنا لتقودنا إلى خارج المطار . فى غضون بضع دقائق كنا داخل اللاندروفر .
تولت إيماليا القيادة . تحدثت مع الدكتور حافظ بينما كانت تقود السيارة .
كنت أجلس فى الخلف . انطلقنا بالسيارة خارج كوزكو وعلى طريق ترابى .
شعرت
بإثارة شديدة لوجودى فى بيرو . لم أستطع الانتظار حتى أصل إلى موقع
التنقيب لكى أرى ما فعله الدكتور حافظ ، إلا أن هذا سوف يكون مختلفاً . كنت
أشعر بالإثارة وشئ من الخوف . هل سأستطيع أن أقوم بالعمل الذى أراد
الدكتور حافظ أن أؤديه ، لقد أحضرنى بيرو لإنجاز عمل . تمنيت ألا أخذله .
الفصل الرابع (
تل الملوك )
كنت مرهقة جداً عندما وصلنا إلى المعسكر ، فذهبت إلى الفراش
مباشرة ، وبالطبع استيقظت فى منتصف الليل ، ولم أستطع أن أواصل النوم مرة
أخرى . هذا هو الاحساس بالتعب الشديد بعد رحلة طيران طويلة . سوف يستغرق
ألأمر منى بضعة أيام كى أتكيف مع فارق التوقيت والارتفاع عن سطح البحر . فى
هذه اللحظة اعتبر جسمى النهار ليل وأن الليل نهار . لذلك عندما حان وقت
الاستيقاظ ، كنت لا أزال متعبة .
سأل الدكتور حافظ أثناء تناولنا
للإفطار : "كيف تشعرين؟"
أجبت : " أنا بخير . ولكنى مازلت متعبة إلى
حد ما . وأشعر بقليل من الصداع " .
قال الدكتور حافظ : " هذا بسبب
الارتفاع عن سطح البحر . اذهبى إلى إيماليا فإن لديها بعض أقراص للصداع .
تناولى اثنين منها وسوف تشعرين بالتحسن سريعاً " .
قالت : " حسناً "
.
" يجب أن أذهب إلى كوينكو لحضور اجتماع . نحن نترقب زيارة من
ممثلة اليونسكو المحلية الأسبوع القادم . نريد أن نتأكد أنها ستأخذ
انطباعاً طيبا عما نفعله هنا " .
سألت : " هل من مشكلة فى ذلك ؟ " .
"
لا . ليس بالفعل ، ولكن هذا مشروع هام بالنسبة لنا وبالنسبة للحكومة
البيروفية . وإن هذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها هذا النوع من التبادل .
تساندنا اليونسكو حتى نهاية هذه السنة . لكن إذا لم نجد شيئا هاما قبل ذلك
، فإنهم قد لا يرغبون فى مساندتنا فى العام القادم . هناك العديد من
المشروعات الأثرية التى تحتاج إلى المساعدة " .
" ماذا تريدنى أن
أفعل أثناء وجودك فى كوينكو ؟ " عندئذ كانت رأسى تؤلمنى بشدة . كنت فى حاجة
إلى أقراص الصداع من إيماليا بسرعة .
" سوف تأخذك إيماليا فى جولة
داخل الموقع وتخبرك بما فعلنا " .
وجدت إيماليا تعمل فى أحد أركان
الموقع . أعطنى قرصين وتناولتهما مع كأس من الماء .
" هل من الممكن
أن تأخذينى فى جولة داخل الموقع ؟ إننى أود بالفعل أن أعرف مدى ما وصلتم
إليه فى الحفريات " .
ردت إيماليا : " بالطبع . سوف يكون ذلك من
دواعى سرورى" .
لكنها لم تبد سعيدة جداً بأن تأخذنى فى جولة حول
الموقع .
وتساءلت : لماذا لم تبدو سعيدة أو ودودة تماما ؟ إنها لم
تبد سعيدة جداً بأن ترانى هناك على الإطلاق . لم أستطع أن أدرك السبب .
وقبل أن تبدأ فى شرح ما أنجزوه فى الموقع ، سألتنى كم أعرف عن حضارة إنكا .
"
لقد قمت ببعض الأبحاث عن أهل الإنكا عندما كنت أدرس فى معهد الآثار
الإيطالى . . وطبعا قرأت تقارير الدكتور حافظ عن الحفريات " .
قالت
إيماليا مبتسمة : " أوه . نعم . الدكتور حافظـ أعتقد أن هذا سبب وجودك هنا
فى بيرو " .
عرفت ما كانت تحاول أن تقول . كانت تقصد أننى هنا فقط
لأن الدكتور حافظ كان صديقاً لعائلتى . تساءلت ما إذا كان ذلك هو السبب فى
انها لم تكن ودودة معى بدرجة كبيرة .
قلت بأسلوب دفاعى نوعا ما : "
بالطبع أنا سعيدة بالعمل مع الدكتور حافظ . لقد عملت معه من قبل . لكن لا
تأخذى فكرة خاطئة يا إيماليا . إننى هنا لأننى عالمة آثار ذات خبرة .
ويعتقد الدكتور حافظ أن خبرتى سوف تكون مفيدة فى تلك الحفريات " .
قالت
: " نعم ، طبعاً . أين عملت معه من قبل ؟ "
" فى مصر فى وادى
النبلاء . كشفنا بالحفر عن قبر سنوفر سوياً . ربما أنك سمعت عنه ؟ " .
نظرت
إيماليا إلى باهتمام . وقالت ببطء : " أوه . نعم " . " نعم لقد سمعت عنه .
إذن فقد قمت بالعمل فى قبر سنوفر ؟ " .
أومأت برأسى .
لم
تقل إيماليا الكثير بعد ذلك . جعلتنى أرى الموقع . كان الموقع يشبه إلى حد
بعيد ماتشوبتشا على قمة تل صخرى وتحيط به قمم أخرى.
بجوار منطقة
الحفريات كانت هناك أكواخ . وعلى جانب أحد هذه الأكواخ استندت مجاريف
وأدوات أخرى . ورأيت بعض الناس يعملون . كان الدكتور حافظ قد أخبرنى أنه
يوجد حوالى عشرين شخص يعملون بالمشروع فى ذلك الوقت كان من الممكن أن ترى
الحدود الخارجية لمبان مختلفة . كانت هناك أساسات من الحوائط . وكان الناس
فى كل مكان يزيحون التراب عن الأرض برفق وعناية . بدأت إيماليا توضح لى ما
الذى كانوا يبحثون عنه . أشارت إلى جانب أحد التلال .
قالت لى
إيماليا : " نعتقد أنه من المحتمل أن نكون قد وجدنا مقبرة أحد ملوك تشيمو .
كان أهل تشيمو أحياناً يقومون ببناء مقابرهم فى جوانب التلال مثل ذلك .
وذاك التل يسمى (تل الملوك) بلغة الإنكا . فقد غزا أهل الإنكا بلاد تشيمو ،
إلا أنهم سمحوا لملوكهم أن يحكموا بشرط أن يظهروا ولاءهم لأهل الإنكا .
وقد أرسلوا أبناء ملوك تشيمو إلى كوزكو . عاصمة إنكا ، ليتأكدوا من ولاء
آبائهم " .
قلت : " يا له من أمر شيق . وماذا وجدتم حتى الآن ؟ " .
أجابت
إيماليا : " بعض أجزاء من الأوانى الفخارية . ووجدنا عظام بعض الحيوانات .
ومازلنا نواصل العمل فى ذلك المبنى الموجود هناك . نعتقد أنه بهو المدخل
وربما يكون هو المكان الذى مارس فيه الكهنة طقوسهم . ويمكنك أن ترى حائطا
فى نهاية المبنى " . أشارت إلى حائط فى جانب التل . وكان قد تم إزاحة
الشجيرات ،واستطعت أن أرى نمطاً من تصميمات الصخور .
" إذن أنتم
تعتقدون أن المقبرة خلف ذاك الحائط ؟ " .
" نعم نعتقد ذلك . لكننا
لن نوقن حتى تفتح ثقباً فى الحائط ونرى ما يوجد خلفه " .
فجأة صدرت
صيحة من أحد الرجال الذين يعملون فى الموقع . فلننظر .
" يبدو أن
رامون قد وجد شيئاً هاماً . فلنلق نظرة " .
مشينا إلى حيث كان رامون
يعمل . كان رامون رجلاً صغير الجسم ، أسمر البشرة ، ذا وجه قد أحرقته
الشمس . لقد أزاح التراب عن شئ .
قالت إيماليا : " ما هذا يا رامون ؟
" .
قال رامون : " إنه تمثال ذهبى لطفل . كان أهل الإنكا يقدمون
الأطفال كقرابين لإرضاء الآلهة . كانوا يضعون هذه التماثيل الذهبية بجوار
جسد الطفلة أو الطفل الصغير " .
قلت : " ما أفظع ذلك " .
"
نعم . لم تمثل حياة الشخص قيمة كبيرة بالنسبة لأهل الإنكا " .
قال
رامون لإيماليا شيئا باللغة الأسبانية ، فأومأت برأسها . انصرف رامون
مسرعاً تجاه أحد الأكواخ . والتفتت هى إلىَّ لتشرح لى .
" لقد ذهب
رامون لإحضار بابلو ألفاريز . نحن نعرض بابلو أى شئ نجده هنا " .
"
ومن يكون هو ؟ " .
" بابلو يعمل لدى وزارة الثقافة البيروفية . وهو
أيضاً ضمن اللجنة التى تقوم بإخطار ممثلة اليونسكو فيما يختص بمشروعنا .
إنه يدون كل شئ نجده . بالطبع كل شئ نجده يظل فى بيرو ، فهو ملك للشعب
البيروفى . أنت تعرفين أنه يوجد لصوص هنا يحاولون سرقة مقابرنا " .
قلت
: " أنا أعرف ذلك . مازالت لدينا نفس المشكلة منذ عصر الفراعنة " .
قالت
إيماليا : " ها هو بابلو . سوف يخبرك كل شئ عن عمله " .
تقدم نحونا
شاب طويل القامة .
سأل : " أين التمثال " . أطلعته إيماليا على
التمثال . نظر إليه .
قال : " جميل . رائع جداً وحزين جداً . خلال
الأيام القليلة القادمة . حينئذ سوف نعرف بالتأكيد . بابلو ، أقدم لك ليلى
القصب" .
قال بابلو : " آه نعم . موتشوجستو . أنا مسرور لمقابلتك .
هل هذه أول زيارة لك إلى بيرو ؟ " .
أجبت : " أجل " .
" هل
تعرفين الكثير عن بيرو وحضارتها القديمة ؟ " .
قلت : " ليس بقدر ما
تعرف أنت بالتأكيد . لكننى قرأت كثيراً جداً عن بيرو قبل حضورى إلى هنا " .
قال
: " أتمنى أن تكونى قد علمت ماذا تعنى حضارة إنكا بالنسبة لشعب بيرو فى
الوقت الحاضر . كان أهل إنكا يمثلون حضارة عظيمة .
فقد حكموا منطقة
ضخمة من امريكا الجنوبية وامتدت إمبراطوريتهم بداية مما يعرف حالياً
بكولومبيا فى الشمال إلى الدولة التى تعرف حالياً بشيلى فى الجنوب . كانوا
يحكمون ما يزيد على عشرة ملايين نسمة .
لقد بنوا مددناً عظيمة
وصنعوا أشياء جميلة . نحن البيروفيين فخورون جداً بتراث إنكا الخاص بنا .
إننا نسمح للأجانب بأن يأتوا إلى هنا وينقبوا عن مدننا القديمة . نحن سعداء
بأن نفعل ذلك ، ولكننا نريد أن نحتفظ بالأشياء التى تجدونها هنا فى بيرو
حيث تنتمى . يجب أن نكون هنا حريصين لأن هناك العديد من اللصوص الذين يأتون
إلى هنا ليسرقوا حضارتنا ويبيعونها للأغنياء من هواة جمع المقتنيات ،
لدرجة أن هناك متاحف تشترى أشياء تمت سرقتها من بيرو . متاحف ـ ليس أفراد
من هواة جمع المقتنيات . هل لك أن تصدقى ذلك ؟ " .
ابتسم : " أنا
آسف يا آنسة القصبى . لقد قابلتك منذ لحظات وها أنا الآن ألقى عليك خطبة " .
"
لا . أنت محق تماماً يا سنيور ألفاريز . يجب ألا نسمح أن يقع أى شئ فى
أيدى اللصوص ".
قال : " هذا شئ طيب . إذن فنحن متفقون بهذا الشأن .
سررت بمقابلتك يا آنسة القصبى . وداعاً مؤقتاً " .
بعد مرور ثلاثة
أيام فتحنا الحائط ودخلنا إلى المقبرة . كان ذلك من أكثر الأيام إثارة فى
حياتى . جلست فى وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم وكتبت رسالة طويلة بالبريد
الإلكترونى إلى سميرة . علمت أنها تحب أن تسمع عن ذلك . أخبرتها أنه
بإمكانها أن تكتب مقالاً عن ذلك لصحيفتها . على أى حال فيما يلى نص ما
كتبته .
عزيزتى سميرة /
لم نجد كنزاً ـ حتى الآن . لكن اليوم
كان يوماً مذهلاً ! فتحنا حائط احدى المقابر . قد تكون مقبرة أحد الملوك .
نحن جميعا هنا نشعر بإثارة شديدة .
لقد تم إخلاء المنطقة المحيطة
بالحائط قبل وصولى . كانت من قبل مغطاة بشجيرات كثيفة . أدهشنى ذلك الحائط .
فقوالب
الكتل الحجرية مقطعة على نحو جميل جداً وموضوعة فى مكانها ـ مثل لغز الصور
المقطعة لكن بحجم ضخم .
كان علينا أن نعمل ببطء شديد لأننا لا نريد
أن نتلفها على أى نحو . أخيراً نجحنا فى تحريك حجر واحد واستخراجه .
قمنا
بنزع المزيد من هذه القوالب الحجرية بحر ص شديد أيضاً وسرعان ما أصبح
لدينا فتحة كبيرة لدرجة تسمح لشخص أن يمر خلالها . طلب الدكتور حافظ من أحد
عمالنا ويدعى رامون أن يدخل المقبرة أولاً . رامون صغير الجسم إلى حد كبير
، فهو الشخص الوحيد من بين عمالنا الذى له جسم صغير يسمح له بالمرور من
خلال الفتحة.
استعد رامون لدخول المقبرة . كان معه بطارية كشافة
ضخمة وحبل طويل مربوط حول خصره . جذب الدكتور حافظ الحبل ليتأكد أنه وثيق .
وقام بلف طرف الحبل حول جسمه .
قال الدكتور حافظ : " كن حذراً يا
رامون . اذهب إلى أبعد ما تستطيع وأخبرنا بما ترى " .
انزلق رامون
من خلال فتحة الحائط . ترك الدكتور حافظ الحبل يمر من بين يديه . راقبنا
الحبل وانتظرنا . بدا وكأننا سننتظر لوقت طويل . لكن ربما لم تمر إلا
دقيقتان حتى سمعنا صوت رامون عبر جهاز الإرسال والاستقبال اللاسلكى .
نادى
: " مرحباً دكتور حافظ " .
صاح الدكتور حافظ : " نعم يا رامون .
ماذا ترى ؟ " .
قال رامون : " أنا فى قاع الكهف . إنه فى الحقيقة
عميق إلى حد بعيد . إننى أرى بعض العظام وبعض أجزاء من الأوانى الفخارية .
لكن هذا هو كل ما أراه الآن " .
سأل الدكتور حافظ : " هل هى عظام
حيوانات أم عظام بشرية؟"
قال رامون : " عظام بشرية " .
قال
الدكتور حافظ : " حسن . سوف ننزل سلماً ألآن ويستطيع رامون أن يثبته بشكل
آمن " .
قام اثنان من العمال بإنزال سلم طويل . عندئذ بدأ الظلام
يحل مبكراً بالقرب من خط الاستواء. وبعد خروج رامون أمر الدكتور حافظ
بإغلاق فتحة الحائط مرة أخرى .
قال : " لا نستطيع أن نقوم بأى شئ
آخر اليوم . سوف نجهز جميع معداتنا لنبدأ استكشاف المقبرة غداً . أحسنت يا
رامون . أحسنتم جميعاً ".
هناك شئ واحد يقلقنى يا سميرة . من الواضح
أن واحدة من علماء الآثار هنا لا تحبنى . أعتقد أنه لا يعجبها كونى مساعدة
للدكتور حافظ وأننى مسئولة عن فريقها . سوف أضطر إلى التحدث معه .
على
أى حال فسوف نبدأ فى استكشاف المقبرة وسوف أرسل لك بالبريد الإلكترونى مرة
أخرى لأخبرك بما يحدث .
أختك
المحبة ليلى
الفصل الخامس
(لقاء فى كوينكو )
عندما انتهيت من كتابة البريد الإلكتروني إلى سميرة
بعد ظهر ذلك اليوم ، فكرت فيما كتبت . لم أكد أصدق . لقد اعتقد الدكتور
حافظ أن قبراً ملكياً يوجد فى المدينة . يبدو الآن أنه كان على صواب . لم
أصبر على الانتظار حتى نستكشف المقبرة. لكنى كنت قلقة أيضاً . كنت أشعر
بالضيق لأن إيماليا كانت غير ودودة تجاهى بدرجة كبيرة . ذهبت لأبحث عن
الدكتور حافظ .
كان يجلس امام جهاز الكمبيوتر النقال الخاص به .
تساءلت ما إذا كان يرسل بريداً إلكترونياً إلى شخص ما أيضا .
سألت :
" هل أنت مشغول يا دكتور حافظ ؟ "
" مرحبا يا ليلى . لا ، إننى
أواجه بعض المشاكل فى جهاز الكمبيوتر . سوف أضطر إلى الدخول إلى مكتبنا فى
كوينكو وأر إن كان بإمكانهم مساعدتى . هل تحبين أن تأتى معى ؟ " .
أصابنى
الإحباط وسألت : " ألسنا ذاهبين لاستكشاف المقبرة ؟ " .
ضحك
الدكتور حافظ . " بالطبع سنذهب . سوف نبدأ بعد غد . لكنى أريد أن أصلح جهاز
الكمبيوتر الخاص بى بأسرع ما يمكن . أريد أيضا أن أقابل العاملين بمنظمة
اليونسكو قبل أن يأتوا للتفتيش علينا . دائماً يوجد الكثير من الأشياء التى
يجب القيام بها " .
قلت : " أنا أعرف . هناك شئ واحد أردت أن أتلقى
النصح منك بشأنه يا دكتور حافظ " .
" وما ذلك الشئ ؟ " .
"
إنها إيماليا . فهى غير ودودة معى بدرجة كبيرة " .
نظر إلى . "
لماذا ؟ ما الأمر يا ليلى ؟ ألا تحبين إيماليا ؟ " .
" أنا لا أعتقد
أنها تحبنى كثيراً" .
" دعك من هذا السخف يا ليلى . أنتما فى نفس
السن تقريبا وكلاكما من علماء الآثار . يجب أن تكونا أصدقاء " .
"
أنا أعلم ذلك . وأنت على صواب . ربما يكون السبب أننى مساعدتك أو ربما
لأنها ضمن فريقى . فلم يكن هناك أحد مسئول حتى وصلت انا " .
" سوف
تتآلفان معاً بشكل أفضل عندما تبدأين العمل معها كما ينبغى . إنها عالمة
آثار جيدة . فهى تعرف الكثير عن هذه المقابر . لقد أنجزت الكثير من الأعمال
الجيدة خلال هذه الحفريات . على أى حال أنت لم تجيبى عن سؤالى " .
أى
سؤال ؟ " .
" هل ستأتين معى إلى كوينكو غداً ؟ يمكنك أن تتجولى
لمشاهدة البلدة وقت انشغالى . هناك بعض المنازل والميادين الرائعة المصممة
على الطراز الأسبانى فى الجزء القديم من البلدة " .
وهكذا فى الصباح
التالى انطلقنا فى طريقنا عبر الطريق الترابى إلى كوينكو . كانت إيماليا
تقود السيارة حيث أن الدكتور حافظ لم يكن يحب القيادة قط . وخاصة فى بلد
أجنبى على حد قوله .
كان معظم ما فى البلدة حديثاً وبها المحلات
والمطاعم المألوفة . ذهب الدكتور حافظ إلى مكتب المشروع ، ولكنى قررت أن
أتجول بعيداً داخل الجزء القديم من البلدة . أخبرنى الدكتور عن اماكن أروع
الكنائس والميادين . مشيت عبر شوارع صغيرة هادئة . كان الجو فى ذلك الوقت
دافئاً . كان النساء يجلسن تحت أشعة الشمس . مرتدين قبعات وفساتين عديدة
الألوان . جرى بعض الأطفال خلفى ضاحكين مصفقين . قلت فى نفسى : هؤلاء أهل
إنكا المعاصرة . حكم أجدادهم إمبراطورية عظيمة . كم هو غريب أن أستكشف
مقبرة أحد ملوكهم .
كان الجو حاراً عندئذ وكنت أشعر بالتعب بعض الشئ
. وكنت لا ازال أشعر بقليل من الصداع . ربما كان ذلك يرجع إلى خليط من
الإحساس بالتعب بعد رحلة طيران طويلة وتأثيرات الارتفاع عن سطح البحر . كنت
فى حاجة إلى الجلوس وتناول مشروب بارد . ربما كان هناك مقهى على مقربة .
كنت والدكتور حافظ قد اتفقنا أن نتقابل فى الثانية عشرة بفندق جراند . نظرت
فى ساعتى . كانت الحادية عشرة والنصف . وكان لدى وقت كى أتناول مشروباً إن
استطعت أن أجد مقهى.
وصلت إلى شارع أكبر . وهذا الشارع يفضى إلى
ميدان كبير . كان هناك على الحائط لافتة مكتوب عليها " بلازا مايور " كما
هو مكتوب على اللافتة . كان هناك بعض الناس يجلسون خارج المقهى يتناولون
القهوة تحت أشعة الشمس . لكنى كنت أشعر بحرارة الجو وأردت منضدة بعيدة عن
الشمس . نظرت إلى المناضد الموجودة فى الظل . كان هناك شخص أعرفه يجلس إلى
احدى هذه المناضد . إنها إيماليا .
ترددت ، ثم فكرت فيما قاله
الدكتور حافظ عن مصادقتها . فقد كان على صواب . كان من السخف ألا يعرف كل
منا الآخر بصورة أفضل . قررت أن أذهب وأتحدث إليها . لكن عندئذ رأيت شيئاً
جعلنى أتوقف عن الحركة تماماً .
كان هناك شخص يجلس إلى منضدة
إيماليا . كان رجلاً وكان وجهه فى الظل . بدا وكأن شعره أشقر وكان مرتدياً
قميصاً ، شامراً عن أكمامه . هل كان هو الرجل الذى قابلته فى الطائرة ؟ إن
كان هو ، فأنا لا أريد أن يشاهدانى ، وإن كان هو لاندر فما الذى كان يفعله
هنا ؟ رأيت إيماليا تهز رأسها . كانت تبدو قلقة بشأن شئ ما .
بينما
وقفت فى أحد المداخل أراقبهم لاحظت بابلو وهو يعبر الميدان ويذهب فى اتجاه
مكتب اليونسكو . عندئذ بدأت الساعة فى برج إحدى الكنائس تدق . نظرت إلى
ساعتى . الثانية عشرة ظهراً . كنت سوف أتاخر على الاجتماع مع الدكتور حافظ .
هل كان يساورنى الشك بلا سبب ؟ هل كان يساورنى الشك لأننى عرفت أن إيماليا
لا تحبنى ؟ قررت أن أبلغ الدكتور حافظ عن رؤيتى لإيماليا وذلك الرجل معاً .
اتخذت
طريقى إلى فندق جراند . كان الدكتور حافظ منتظراً فى الخارج . قال : " آه
ها أنت . كنت أتساءل ماذا حدث ؟ " .
"بسرعة يا دكتور حافظ ! تعال
معى . يجب أن أطلعك على شئ".
أرشدته طريق العودة خلال الشوارع
الجانبية إلى الميدان .
قلت : "انظر" وأشرت إلى المنضدة التى كان
تجلس إليها إيماليا والرجل . لكن فى هذه اللحظة كان شخصان آخران يجلسان
المنضدة .
سأل الدكتور حافظ : " ما ألأمر ؟ " .
" إيماليا
جوزمان ورجل شركة التعدين " .
" ماندر ؟ " .
" مارتن لاندر .
أعتقد أنهما كانا يجلسان إلى هذه المنضدة كانا يتحدثان . هلى تذكر ما قلته
لى عن لاندر ؟ كنت تظن أن ساعد بعضهم فى سرقة أشياء من الحفريات " .
"
نعم . أنت على صواب . لكن هل أنت متأكدة أنه كان نفس الرجل ؟ إذا كان هو
لاندر فأنا أتفق معك أن الأمر يكون غريباً بعض الشئ . ولكنى لا أستطيع أن
أصدق أن تفعل إيماليا أى شئ خطأ . إننى أثق بها " .
قلت : " حسناً
يا دكتور حافظ " . لم أدر كيف أفكر . كنت ما زلت أشعر بإحساس غريب بعض الشئ
بسبب قلة الأكسجين فى مثل ذلك المكان شديد الارتفاع عن سطح البحر .
"
لا أعتقد أنك يجب أن تكونى ميالة إلى الشك إلى هذا الحد البعيد يا ليلى .
فالقلق يساورك فعلاً ، أليس كذلك ؟ فأنت لست مثل أختك سميرة . فهى لا تقلق
بشأن أى شئ على الإطلاق . يجب أن تكونى مثلها أكثر من ذلك قليلاً . على أى
حال حان وقت الغداء . إنى أعرف مطعماً صغيراً يطهى الطعام جيداً بطريقة
عائلية . سوف نذهب إلى هناك " .
تكلم الدكتور حافظ مرة ثانية أثناء
تناول الغداء : " انظرى . إننى أعرف أنك لا تحبين إيماليا كثيراً جداً .
وربما هى لا تحبك لأنك مساعدتى أو لأنك مسئولة عن فريقها . سوف أتحدث معها
عن ذلك . لكن بالفعل يجب أن تحاولى العمل معها ، فهى تعمل بكد وهى عضو جيد
ضمن مجموعة الحفريات هذه " .
انتهينا من تناول الغداء ، ودفع
الدكتور حافظ فاتورة الحساب .
قال الدكتور حافظ : " لقد أصلحت حاسبى
الآلى وقابلت الأشخاص التابعين لمنظمة اليونسكو . فلنرجع إلى المعسكر .
سوف نددخل المقبرة غداَ " .
لكنى كنت لا أزال أشعر بقلق . عندما
رجعت إلى المعسكر أخرجت الكمبيوتر النقال الخاص بى وبدأت العمل فى الإنترنت
.
استدعيت موقع المتحدة للتعدين على الشبكة . ظهرت قائمة بالأماكن
التى كانوا يقومون فيها بالتعدين أو يقومون بالإعداد للتعدين . فحصت قائمة
الدول ووجدت " بيرو" وهذا هو ما ظهر على الشاشة .
بيرو : انتهت
عمليات المتحدة للتعدين عام 1999 . لا توجد أى خطط لإجراء مسح أو تعدين فى
بيرو فى الوقت الحاضر .
نظرت إلى الشاشة . إننى كنت على صواب . كان
مارتن لان