الفصل السادس (
داخل المقبرة )
فى اليوم التالى دخلت المقبرة مع الدكتور حافظ والآخرين . كنا
جميعاً محبين للاستطلاع . قام رامون والعمال الآخرين بتوسيع فتحة الحائط
أكثر مما كانت عليه . وقاموا بوضع سلم داخل الكهف . ليس من السهل النزول
إلى أسفل على سلم فى الظلام . كنت أرتدى خوذة بها بطارية كشافة . عندما
التفت برأسى سطع ضوء مصباح البطارية على الصخرة المواجهة لى . إلا أن
البطارية الكشافة لم تساعدنى أن أجد مكاناً أضع فيه قدمى . شيئا فشيئاً
وصلت إلى قاع الكهف . كان الجو بارداً وجافاً بالداخل . لم يدخل الهواء
هناك سوى من خلال الفتحة التى فتحناها فى الحائط من فبل .
عندما
وصلنا نحن الأربعة إلى أسفل عند قاع الكهف بدأنا ننظر فيما حولنا . كان
رامون قد قال إنه قد رأى عظاماً بشرية . سرعان ما وجدناها بالقرب من وسط
الكهف . كانت بعض هذه العظام مفقودة والبعض يغطيه التراب . إلا أنه كان من
الواضح أنها عظام رجل .
كان على الأرض فى وضع الجلوس . كانت هناك
بعض القطع الصغيرة من القماش التى أصبحت الآن باهتة اللون ، لكن ربما كانت
ألوانها زاهية عندما دفنت هذه الجثة عن قرب . وفجأة ، شهقت شهيقاً مسموعاً .
وكذا فعل الآخرون . كانت الجمجمة مكسورة وبها شق كبير من أحد جانبيها إلى
الجنب الآخر .
قال الدكتور حافظ ببطء : " ربما تم قتله " . تكلم
الدكتور حافظ بصوت هامس وكأنه لم يشأ أن يقلق مضجع الرجل المميت .
قال
الدكتور حافظ : " هذا صحيح " .
قلت : " لكن من الممكن أن تكون
الصخور الساقطة قد كسرت الجمجمة ، أليس كذلك ؟ " .
ابتسم الدكتور
حافظ وقال : " أجل يا ليلى . هذا أيضاً ممكن . يجب أن نحتفظ فى ذاكرتنا
بهذين الاحتمالين إلى أن نحصل على دليل يثبت أن أحدهما صحيح " .
سألت
إيماليا : " إذن فهذا جثمان ملك من ملوك تشيمو ؟ "
" هذا احتمال .
وربما يكون لأحد النبلاء أو لموظف هام . لكننا نحتاج أن نجد المزيد من
الأدلة . إن استطعنا أن نجد قناعاً ذهبياً فسوف نتأكد من أنه كان ملكاً .
إلا أن أول ما يجب أن نفعله هو أن نحدد تاريخ هذا القماش " .
فتح
الدكتور حافظ حقيبة ظهره وأخرج منها الصندوق الأسود الذى كنت قد أحضرته أنا
من القاهرة . لم أكن قد رأيت ما بداخله من قبل . كان بأحد جوانبه قرص مدمج
وشاشة صغيرة . انحنى الدكتور حافظ ووضعه فوق القماش . عندما ضغط على أحد
المفاتيح صدر صوت طنين منخفض وخرج من الصندوق شعاع ضوء أحمر .
سأل
بابلو : " ما هذا الذى معك ؟ " .
" هذا ما أحضرته ليلى من القاهرة .
إنها إحدى طرق تحديد تاريخ القماش . هذه الآلة تصدر شعاع ليزر ويظهر تاريخ
القماش هنا على هذا القرص المدمج . إنه يستغرق بضع لحظات . آه ، أجل ها
نحن ذا . حوالى 1400 " .
قال بابلو : " فى منتصف عهد الإنكا تماماً .
حسن ، إن هذه لبداية طيبة " .
قضينا ما تبقى من ذلك الصباح نتفحص
عن قرب تلك المنطقة المحيطة بالجثمان . كان عملاً بطيئاً . لقد علمت ما كنا
نبحث عنه . فى عصر أهل الإنكا كان الناس يضعون أوعية بها طعام وماء داخل
المقابر بالفعل أرى بعض القطع من الفخار التى ربما كانت صحناً . سوف يكون
لزاماً أن نقوم بتجميع هذه الأجزاء ونرى ما إذا كانت تتوافق مع بعضها البعض
. لكنهم عند دفن شخصية هامة كأحد الملوك ، كانوا يدفنون أشياء ثمينة معه .
إذا استطعنا أن نجد بعض الأشياء الثمينة قد نستطيع أن نقول إن كان ملكاً .
ظللنا
نعمل لبضعة أيام قبل أن نجد أى شئ مثير فعلاً .
كان العمل شاقاً .
لم يوجد الكثير من الهواء داخل الكهف . وفى أثناء اليوم يصير الجو حاراً
إلى حد بعيد . كان العمل مرهقاً . استخدمنا أدوات المسطرين الصغيرة لإزاحة
التراب من حول العظام . ثم استخدمنا الفرش الصغيرة لتنظيف الأحجار والطوب .
كنا فى وضع انحناء على الأرض طوال اليوم . حصلنا على فترة راحة فى منتصف
الصباح وفترة اخرى عند الظهر . وبعد مرور بضعة أيام مماثلة أصبحت مرهقة
فعلاً وظهرى يؤلمنى . ذات صباح كنت جالسة خارج المقبرة أشرب بعض الماء .
كانت الشمس ساطعة جداً وقمت بإغماض عينى . جاء شخص وجلس إلى جوارى .
"
هل أنت بخير ؟ أنت تبدين مرهقة فعلاً " .
فتحت عينى . كانت إيماليا
. وكانت تبدو قلقة تماماً .
" نعم . إننى متعبة قليلاً ولكنى بخير "
.
" إنه لعلم شاق داخل المقبرة ، أليس كذلك ؟ ومع ذلك فأنا متأكدة
أننا سنجد شيئاً محدداً قريباً ـ شيئاً يؤكد لنا ما إذا كانت مقبرة ملك أم
لا " .
" هل تعتقدين أنه قد لا يكون قبرا ملكيا؟ "
هزت
كتفيها : " أعرف أن الدكتور حافظ يأمل أن يكون قبراً ملكياً ، ولكن لن نعرف
بالتأكيد إلى أن نجد شيئاً محدداً . إنه ليس أمامنا سوى وقت قصير قبل
تفتيش اليونسكو . لذلك نحتاج بالفعل أن نجد شيئا محدداً وبسرعة " .
نظرت
إليها وتساءلت فيم كانت تفكر . أردت أن أتحدث معها . لم تكن تشعر
بالاطمئنان معى .
قلت : " هل تذكرين عندما كنا فى كوينكو منذ بضعة
أيام ؟ " .
قالت : " نـعم " . لم يتغير تعبير وجهها .
واصلت
قائلة : " كنت تتناولين مشروباً فى مقهى بالميدان الرئيسى . ظننت أننى أعرف
الرجل الذى كنت تتحدثين معه . أعتقد أننى قابلته على متن الطائرة " .
قالت
: " مارتن لاندر؟ يا لها من مصادفة . إن العالم مكان صغير . نعم فأنا
أعرفه منذ سنوات . إنه يعمل لدى التعدين المتحدة " .
" هل هو مهتم
بالآثار ؟ " .
قالت : " أوه . نعم " بعدئذ ظلت صامتة . من الواضح
أنها لم تشأ أن تتكلم بعد ذلك .
لم أدر كيف أقلب ظنونى . من المؤكد
أننى قلت الشئ غير المناسب . كنت أشع أن ذلك أمر صعب جداً .
استمر
العمل . لقد تعودت عليه وعلى ارتفاع عن سطح البحر أكثر من ذى قبل . أظن
أننى أصبحت أقوى وأكثر لياقة . بالتأكيد لم أشعر بتعب شديد . بعد ذلك جاء
يومى الحاسم . أرسلت بريداً إلكترونياً إلى سميرة لأبلغها بالخبر .
مرحباً
يا سميرة !
خمنى ما الأمر ؟ أختك الكبرى يكتب عنها فى الجرائد !
لقد وجدت شيئاً هاماً قد يثبت أن المقبرة التى نستكشفها مقبرة ملك من عصور
إنكا . بالطبع يريد الدكتور حافظ المزيد من الأدلة ، ولكنها إشارة جيدة إلى
حد ما . كان اليوم قد أوشك على الانتهاء حيث كنا نواصل العمل بكد حقاً .
الجو حار والهواء فاسد فى المقبرة . وبحلول نهاية فترة ما بعد الظهر كنا
نشعر بالحرارة والتعب الشديدين . حسن ، انتهينا من العمل ، وكنت قد بدأت
لتوى فى جمع أدواتى لوضعها فى الحقيبة . معى مسطرين وفرشاة وبضعة أشياء
أخرى أحتفظ بها فى حقيبة . التقطت الحقيبة لأضع ألأدوات بها . أزاحت
الحقيبة بعض التراب الموجود تحتها . رأيت شيئاً لامعاً على الأرض . اخرجت
فرشاتى مرة أخرى وأزحت المزيد من التراب .
كانت تشبه حجراً مستديراً
صغيراً . إلا أن لونه كان أصفر باهتاً . أزحت المزيد من التراب . ظهرت رأس
حيوان كانت صغيرة جداً ولكن كان بها وجه وأذنان وعينان . شعرت بإثارة
شديدة . نظرت فيما حول . كان الآخرون جميعاً قد بدأوا فى مغادرة المقبرة .
قال
الدكتور حافظ : " هيا يا ليلى . حان وقت التوقف عن العمل . لقد فعلت ما
يكفى اليوم " .
" يا دكتور حافظ ، أعتقد أننى وجدت شيئاً " .
اندفع
نحوى . وكذا فعل الآخرون . أطلعتهم على رأس الحيوان . بدأنا جميعا نزيح
التراب عن التمثال . حفرنا حول التمثال ببطء وحرص شديدين . أخيراً أزحنا كل
التراب بعيداً . رفعه الدكتور حافظ بكلتا يديه ونظر إليه . كان ضئيل الحجم
ـ طوله حوالى خمسة سنتيمترات فقط ـ ولكنه حيوان من نوع غير معروف ، له رأس
مربع وذيل سميك .
رفعه الدكتور حافظ نحو الضوء .
قال بصوت
هامس : " إنه جميل" .
سألت : " ما هذا الحيوان ؟ " .
قال : "
إنه حيوان اللاما . استخدم أهل إنكا حيوانات اللاما كاستخدامنا للإبل . لم
يكونوا قد اخترعوا العجلة وقتئذ فكانوا يحملون كل شئ على ظهور حيوانات
اللاما " .
قالت إيماليا : " يبدو وكأنه مصنوع من الذهب " .
أجاب
الدكتورحافظ : " أجل ، أعتقد أنك على صواب " .
أدار التمثال فى
يديه .لم يستطع أن يتوقف عن النظر إليه .
" هل يعنى ذلك أن هذه
المقبرة مقبرة ملك ؟ " .
توقف الدكتور حافظ قليلاً وقال : " إن ذلك
يعنى أنها مقبرة شخص هام . فقد كانوا يتركون تماثيل من الذهب فى مقابر
الملوك والنبلاء فقط . هذه اللاما الذهبية تزيد من احتمال أن تكون هذه
مقبرة ملكية ، إلا أنها لا تثبت ذلك " .
قالت إيماليا : " نحتاج أن
نجد قناعاً ذهبياً حتى نتأكد مئة بالمئة " .
قال الدكتور حافظ : "
أجل ، أنت على صواب . بالطبع نحتاج أن نجد قناعاً ذهبياً لكى نتأكد أنها
مقبرة ملك . إلا أن هذا فى حد ذاته يعتبر اكتشافاً عظيماً . أحسنت يا ليلى
!".
كذلك قام الآخرون جميعاً بتهنئتى . أخذت اللاما الصغيرة فى يدى .
كانت جميلة . تصورى أنها كانت توجد هناك منذ أكثر من خمسمائة سنة ! .
أصر
الدكتور حافظ أن يلتقط صورة لى وأنا أحمل اللاما الذهبية . إن لديه كاميرا
رقمية . لهذا سأرفق الصورة مع هذا البريد الإلكترونى حتى تعرضيها على كل
العائلة .
إن الوقت متأخر الآن . حان وقت النوم . وداعاً مؤقتاً .
أختك
المحبة
ليلى
كتبت رسالة البريد الإلكترونى فى المكتب وأرفقت
بها الصورة الرقمية . كان الدكتور حافظ والآخرون قد ذهبوا إلى كوينكو .
كان بابلو ألأفاريز يشعر بإثارة شديدة بشأن اللاما الذهبية ، وأراد أن يبلغ
مكتبه عنها . قررت أنا أن أبقى بالموقع . قلت لنفسى : من المحتمل أن أذهب
إلى البلدة فيما بعد . أردت أن أبلغ سميرة باكتشافى . وعندما انتهيت من
كتابة البريد الإلكترونى لم أعد أشعر بالتعب . حزنت لأننى لم أذهب مع
الآخرين إلى كوينكو . فقد قال الدكتور حافظ إنه سوف يدعوهم جميعاً للغداء
فى احسن مطاعم البلدة . تساءلت عما إذا كان من الواجب أن أتصل به بالتليفون
المحول الخاص بى وأبلغه أننى سأذهب معهم برغم كل شئ . التقطت التليفون ثم
وضعته مرة أخرى فى مكانه . مددت ذراعى وتثاءبت . كنت احتاج إلى بعض الهواء
النقى .
أغلقت جهاز الكمبيوتر النقال الخاص بى . فتحت باب المكتب
وخطوت إلى الخارج . كان الهواء بارداً ونقياً . نظرت إلى أعلى تجاه السماء .
كانت مليئة بالنجوم . ففى هواء الجبل الصافى كانت النجوم تبدو ساطعة حقا .
إلا أن هذا هو نصف الكرة الأرضية الجنوبي فلم أتعرف على النجوم المألوفة
التى عرفتها فى مصر . نظرت فى اتجاه الكهف الذى وجدت فيه اللاما ، شعرت
بالسرور . كان الدكتور حافظ يشعر بالقلق بأن يكون قد أخطأ بشأن المقبرة .
لكنه الآن قد حدد تاريخ القماش ووجدنا اللاما الذهبية . لقد كان يراعى
الحرص ولكنى أعتقد أنه متأكد إلى حد ما أننا اكتشفنا مقبرة ملكية .
مددت
ذراعى مرة ثانية . قررت أن أمشى إلى المقبرة . فقط أردت أن أكون هناك .
كان المدخل قد أغلق . فدائماً كان يغلق فى نهاية أعمال الحفر اليومية . كان
العمال قد وضعوا باباً خشبياً بسيطاً على الفتحة الموجودة فى الحائط . لكن
عندما نظرت مرة أخرى رأيت أن الباب لم يكن مغلقا بالكامل . لقد تم تركه
مفتوحاً بدرجة طفيفة .
ظننت أن هذا إهمال . تساءلت من يكون قد فعل
ذلك . مشيت إلى أن وصلت إلى الباب وما كدت أن أغلقه حتى لاحظت شيئاً آخر .
كان هناك ضوء يأتى من داخل المقبرة . لم يكن ضوءاً ساطعاً جداً ، ولكن مما
لا ريب فيه أنه مصباح . هل ترك أحد بطاريته الكشافة دخل المقبرة ؟
بدأ
قلبى يخفق بسرعة أكثر . شعرت بالخوف . لكن كان لزاماً على أن أكتشف ماذا
يجرى . كان حب الاستطلاع لدى أكبر من مخاوفى . هل هناك أحد داخل المقبرة ؟
إذا كان هناك أحد فمن يكون ؟ وماذا يفعل هناك ؟ تسللت إلى المدخل وفتحته
أكثر قليلاً . نظرت إلى أسفل الكهف . كان السلم لا يزال فى موضعه . وفى
الأسفل على أرضية الكهف كان هناك رجل جاث . وكان بجواره مصباح صغير على
الأرض. كان هذا هو الضوء الذى رأيته من قبل . كان ظهر الرجل نحوى . لكننى
خمنت من يكون هو قبل أن أتمكن من رؤية وجهه .
الفصل السابع (
محتجزة )
فى
البداية لم أستطع أن أرى ما كان يفعله . لكن عينى اعتادتا على الضوء فرأيت
أنه كان منحنيا فوق أرضية الكهف بالقرب من المكان الذى وجدنا فيه الهيكل
العظمى للملك . كان يستعمل المسطرين الصغير ليكشط التراب عن شئ ما على
الأرض .
كنت غاضبة لوجود شخص ما فى المقبرة ليلاً . جعلنى الغضب
أنسى خوفى . بدأت النزول على السلم داخل الكهف بحرص وهدوء شديدين . وصلت
أسفل السلم . كان قلبى يدق بسرعة فائقة . لم أكن متأكدة مما يجب أن أفعله
بعد ذلك . فجأة أدركت أن من المحتمل ألا أتمكن من صعود السلم بنفس الهدوء
الذى نزلت به . كنت عندئذ خائفة بشدة . لماذا دخلت إلى الكهف بدلاً من أن
أطلب المساعدة ؟ كان على أن أختبئ . كان الرجل على مسافة قريبة منى . كان
لا يزال مشغولا ولم يسمعنى أو يرنى . اختبأت خلف صخرة كبيرة . بعد ذلك توقف
الرجل عما كان يفعل ونهض واقفاً . ربما يكون قد شعر فجأة أنه ليس بمفرده .
قام بتوجيه بطاريته الكشافة فى اتجاهات مختلفة . لحسن الحظ كنت مختبأة
بشكل جيد . التف وجاء فى اتجاهى . كان قلبى يدق بسرعة . ظننت أنه سيجدنى .
توقف . ساد الصمت للحظة . إلا أن الرجل كان فى عجلة من أمره على ما يبدو .
التفت مرة أخرى وعاد إلى عمله . سمعت كشط أداة لحفر الصغيرة . انتظرت لمدة
دقيقة تقريباً ثم نظرت حول الصخرة . كان ظهر الرجل قد استدار تجاهى .
لم
أتمكن من رؤية ما يفعله من مخبأى . أردت أن أقترب قليلاً .
لم أكد
أن أبدأ فى التحرك من خلف الصخرة حتى التفت حوله مرة أخرى ، وفى هذه المرة
رآنى .
لقد كان هو مارتن لاندر .
سأل بصوت عنيف : " ماذا
تفعلين هنا ؟ " .
فى البداية لم أتمكن من الكلام . كنت أرتعش من
الخوف .
لم أقل وماذا تفعل أنت هنا ؟ ". وبدلا ن ذلك قلت : " أنا ـ
أنا رأيت ضوءاً . اعتقدت أن هناك شخصاً فى الكهف . فجئت لأرى ما يحدث " .
"
ها نحن نتقابل مرة أخرى يا آنسة القصبى " .
لم أدر مأ اقول فى
البداية . أخيراً استطعت أن أتكلم .
قلت : " إذن فأنت لست مهندس
تعدين . أنت هنا فقط لتسرق الأشياء التى وجدها الآخرون . أنت لص " .
ابتسم
لاندر : " أنت على صواب إلى حد ما . كنت مهندس تعدين . لكنى أصبحت مهتماً
أكثر بأشياء أخرى . يمكنك أن تطلقى على لقب لص إن أردت . لكنى فى الواقع
هاو لجمع المقتنيات أكثر من كونى لصا . إننى أقدر الأشياء الرائعة . وسوف
أكون سعيداً بإضافتها إلى مجموعتى".
قلت : " لا يمكنك . هذا خطأ .
أنت تسرق بذلك . إن هذه الحفريات هامة بالنسبة لبيرو وبالنسبة للعالم . إن
كل ما نجده هنا يجب أن يوضع فى متحف حتى يتمكن الناس من مشاهدته " .
أجاب
: " قد تكونين على صواب . ولكنى متأكد أنك سوف تجدين المزيد من الأشياء
بوفرة . لن يؤثر عليكم إذا فقدتم عدداً قليلاً من المصنوعات وإن كانت ثمينة
. أنا حزين جداً لأننى لم أجد قناعاً ذهبياً .
فالأقنعة الذهبية
نادرة للغاية وثمينة جداً أنا متأكد أنه يوجد قناع ذهبى هنا . على أى حال
يا آنسة القصبى لا أستطيع أن أضيع الوقت قى التحدث معك . لقد قاطعت عملى ،
لكن لا يهم . يجب أن أذهب الآن . وأنت بالطبع سوف تبقين هنا . لا تحاولى أن
تتبعينى . أتمنى أن تقضى ليلة سعيدة فى صحبة ملك عظيم . والآن ، وداعاً " .
التفت
وصعد السلم بسرعة . وفى دقيقة واحدة كان قد سحب السلم إلى أعلى خلفه وأغلق
الباب الخشبى ورحل . عرفت أنه لم يكن هناك ما أستطيع أن أفعله . لم أحاول
أن أتبعه . لما أحاول أن أصرخ ، فلن يسمعنى أحد . كنت خائفة جدا لدرجة أننى
سقطت على الأرض حيث استلقيت لبعض الوقت . سمعت صوتا بعيدا لمحرك سيارة
يدور وصوت السيارة وهى تنطلق بعيدا . كنت فى ظلام تام . ولم يكن هذا شعورا
طيبا . لم يوجد أى ضوء أو أى صوت . وكان الجو باردا . مر الوقت . كنت متعبة
جدا ...
وعندئذ رأيت هيكلا عظيما مرتديا ملابس ملك قادما تجاهى .
كان الهيكل محمولا على محفة بواسطة أربعة رجال . كانوا يشبهون الجنود .
ويوجد هيكل آخر خلف هذا الهيكل وثالث خلف الثانى . اقتربت الهياكل أكثر
فأكثر . كنت محاطة من جميع الجوانب بهياكل عظمية لملوك موتى . أشاروا نحوى
فرفع الجنود سيوفهم وكانوا على وشك أن يهاجمونى . فجأة استيقظت وأنا أصرخ :
" لا ! لا ! " .
بعد ذلك لم أستطع أن أخلد للنوم مرة أخرى . ازداد
شعورى بالبرد أكثر فأكثر . بدت الليلة وكأنها بلا نهاية . كم سيستغرق من
الوقت حتى يأتى أحد إلى الكهف ويعثر علىّ ؟ .
* * *
سمعت ضجة
تأتى من فوقى على ارتفاع بعيد وكان أحدهم يفتح باب الكهف الخشبى .
ناديت
: " أنا هنا فى الأسفل " .
" ليلى ، هل أنت بخير ؟ ماذا حدث ؟ "
كان هذا صوت الدكتور حافظ . نزل السلم ، وهبط عليه إلى أسفل الدكتور حافظ
ورامون إلى داخل الكهف .
قلت : " أوه ، دكتور حافظ . أنا مسرورة جدا
لوجودك هنا " . واخبرته بما قد حدث .
قال الدكتور حافظ : " إذن فقد
كان لاندر ، أليس كذلك ؟ ولكن كيف وجد هذا المكان بهذه السهولة ؟ " .
قال
رامون : " من المؤكد أنه سأل فى كوزكو أو فى كوينكو . فالناس يعلمون عن
عملنا " .
كوينكو ! هذا هو ما حدث . لقد كان لاندر هو الذى يتحدث
إلى ونظرت إليه . راودنا نفس التفكير .
قال الدكتور حافظ ببطء : "
ليس من الممكن أن تكون إيماليا . فهى لا يمكن أن تفعل شيئا مثل ذلك " .
"
لكنى رأيتها فى كوينكو تتحدث إليه . أخبرتنى بأنه هو لاندر .
قال
الدكتور حافظ : " يحتمل أنه كان لاندر . لكن ذلك لا يعنى أنها أخبرته عن
حفرياتنا . ربما تكون قد قالت شيئا بغير حرص . من السهل جدا التحدث بغير
حرص " .
تذكرت ما قلته للاندر فى الطائرة . لقد كنت غير حريصة. ربما
كنت أنا المسئولة عن اكتشافه للكهف .
قال الدكتور حافظ :" سوف اتحث
إلى إيماليا الآن . يجب أن نكشف الحقيقة ، ويجب أن نعثر على لاندر
والمصنوعات الآثرية التى أخذها من الكهف . سوف يتعين علىّ أن أذهب إلى
الشرطة . أوه ، إن مثل ذلك هذه الأمور تصبح صعبة جدا عندما لا تكونين فى
بلدك " .
ساعدنى الدكتور حافظ فى صعود السلم . شعرت بتحسن عندما
وصلت إلى أعلى . كان النهار فى الخارج مشرقا ومشمسا ، وكان يبدو وكأنه يوم
طبيعى .
قال الدكتور حافظ : " تعالى لتتناولى مشروبا ساخنا . لابد
أنك متعبة جدا ".
ذهبنا إلى كوخ وجلست فيه . أحضر أحدهم لى فنجانا
من القهوة الساخنة . استرحت لبعض الوقت . كنت لا أزال مذكورة من كل ما حدث .
بعد
ذلك وصل رجال الشرطة ، وكان هناك كثير من الصخب والمناقشة . لم أفهم ما
كانوا يقولون . بعدئذ أرادوا أن يوجهوا لى الأسئلة . كانوا لا يتحدثون سوى
الأسبانية ، فتولى رامون ترجمة أسئلتهم .
بعد فترة من الوقت انصرف
رجال الشرطة . قال رامون : " إنهم يعتقدون أن لاندر قد يكون خارج البلاد .
سوف يتصلون بإدراة الجوازات فى المطار . لكنهم يعتقدون أنه قد يكون فات
أوان ذلك . وعلى أى حال فهم يعتقدون أن لاندر سوف يتحمل اسما وجواز سفر
مزيفين . لن يكون من السهل القبض عليه " .
استرحت فى ذلك اليوم . لم
أكن لأقدر على مواجهة النزول داخل الكهف مرة أخرى . جاء الدكتور حافظ
لرؤيتى فى وقت متأخر من اليوم على غير المتوقع . أخبرنى عن مقابلته مع
إيماليا .
" هى تقول إنها تعرف لاندر منذ فترة طويلة . إن لديه
العديد من مصادر المعلومات فى بيرو ، فقد ساعدها فى الحصول على أول عمل لها
فى مجال الآثار . قالت إن لاندر كان يعرف والدها . كان هذا غريبا . بدت
وكأنها حزينة بشأن شىء ما . كان هناك شىء لا ترغب فى التحدث عنه . لكنها
تقول أنها لم تتحدث معه عن عملها هنا . أعتقد أننى أصدقها . إننى لا أصدق
أن تكون قد أخبرت لاندر بأى شىء ".
بدأ العمل مرة أخرى فى اليوم
التالى . لم يعرف أحد ما سرقه مارتن لاندر من الكهف . يحتمل أنه كان يعمل
فى الكهف لعدة ساعات قبل أن أجده . تساءلنا عما إذا كنا سوف نعثر على
المزيد من المصنوعات الأثرية .
عندئذ وقبيل نهاية اليوم اصطدم
المسطرين الذى استخدمه فجأة بشىء صلب ، شىء معدنى . ناديت : " تعال إلى هنا
يا رامون . هل يمكنك أن تساعدنى . أعتقد أننى وجدت شيئا مشوقا " .
ساعدنى
رامون فى الحفر بحرص حول ذلك الشىء وإخراجه من الأرض . كان قناعا مصنوعا
من الذهب . وقفنا ونادينا على الآخرين . أضاء الدكتور حافظ بطاريته الكشافة
على القناع فلمع لونه الذهبى الجميل . أعلن بقوة قائلا : " إنه قناع ملك .
إنه يشبه وجه الشمس . انظرى إلى أشعة الشمس . ما أروعه " .
كان
الجميع سعداء جدا بعد كل ما حدث فى اليوم السابق . الآن عرفنا أنه كان قبرا
ملكيا بالتأكيد . لقد حققنا اكتشافنا عظيما . توقفنا عن العمل وأخذنا
القناع الذهبى بحرص لنريه لبابلو . كان مسرورا وقال : " سوف أضعه فى
الخزانة . نحن لا نريد زيارة أخرى من لاندر " .
فى الصباح التالى
عندما وصلت إلى الموقع وجدت سيارات الشرطة مرة أخرى . تساءلت لماذا عادوا
مرة ثانية .
سرعان ما اكتشفت السبب . لم يعد القناع الذهبى موجودا
فى الخزانة .
الفصل
الثامن ( الخزانة فارغة )
كان رجال الشرطة يقتحمون الخزانة . كان الباب
المعدنى السميك مفتوحا ولكن القفل لم يكن مكسورا . كان أحد رجال الشرطة يضع
نوعا خاصا من المساحيق على الخزانة .
أوضح ذلك الدكتور حافظ قائلا :
" شخص ما فتح باب الخزانة مستخدما مفتاحا . وربما يكون اللص قد دخل إلى
الكوخ من خلال ذلك الشباك . أخشى أنه كان مفتوحا " .
سألت : " ولكن
كيف يستطيع أى أحد أن يحصل على المفتاح ؟ هل تحدثت مع بابلو ؟ " .
أجاب
الدكتور حافظ :" ليس بعد . فهو اليوم فى كوينكو حيث يجتمع مع موظفى
اليونسكو سعداء عندما يسمعون بذلك " .
تقدم رئيس الشرطة نحو الدكتور
حافظ وذهبا إلى الخارج . كانا يتحدثان بأصوات منخفضة . بعد بضع دقائق رجعا
. تحدث الدكتور حافظ إلى الجميع .
قال : " أنا آسف لأن رجال الشرطة
يريدون أن يحصلوا على بصمات أصابعنا جميعا . إنهم يريدون أن يعرفوا صاحب
بصمات الأصابع الموجودة على الخزانة . وهم يريدون أن يفتشوا حاجيات الأصابع
".
كان لكل فرد مكان يضع فيه ملابس العمل ليلا وملابسه العادية
أثناء النهار .
انتظرنا . لم يتحدث أحد . كان الجو مشوبا بشعور
بالشك . لم يشعر أحد بالاطمئنان . بعد مرور بعض الوقت رأيت رئيس الشرطة
يذهب إلى الدكتور حافظ ويتحدث معه بهدوء . نظر الدكتور حافظ إلى أعلى فجأة
فى اتجاهى . كان وجهه شاحبا وبدت عيناه غريبتين . تقدم نحوى .
قال
بصوت منخفض : " يريد رئيس الشرطة أن يتحدث إليك . تعالى إلى مكتبى " .
كنت
مندهشة . ظننت أنهم كانوا قد وجهوا إلىّ أسئلة كافية فى اليوم السابق .
دخلنا
إلى كوخ الدكتور حافظ وأغلق الباب .
قال : " يا ليلى . إننى مندهش
ومتضايق جدا . لم يجد رجال الشرطة القناع الذهبى ولكنه وجدوا هذا بين ملابس
العمل الخاصة بك " .
فتح رجل الشرطة يده . كان بها أرنب ذهبى صغير .
قلت
: " أنا لم أسرق هذا . إننى لم أره من قبل " .
" لكنه كان بين
أغراضك " .
صرخت : " أنا لم أسرقه . أنا لم أسرقه " . كنت أرتعش .
كيف يمكن أن يحدث هذا لى ؟
قال الدكتور حافظ : " إننى أصدقك يا ليلى
. ولكن للأسف سوف تضطرين للذهاب مع الشرطة الآن . سوف يتعين علىّ أن أكتشف
من فعل هذا . من المؤكد أنه ليس لاندر . من المؤكد أن شخصا آخر فعلها .
شخص لا يحبك . شخص يريد اعتبارك مسئولة عن سرقة القناع الذهب"
أخذونى
فى سيارة الشرطة إلى قسم الشرطة المحلى . لم أكن قد دخلت قسم شرطة من قبل
فى حياتى . لم تكن هذه تجربة سارة . كنت فى بلد بعيد عن موطنى ولا أتكلم
لغتهم . على الأقل كانوا يعاملوننى باحترام إلا أنهم وضعونى فى زنزانة
الشرطة وأوصدوا الباب وتركونى . فى هذه اللحظة انفجرت فى البكاء . لماذا
أتيت إلى هذا البلد ؟ ولماذا حدث لى ذلك ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ أسئلة
كثيرة جداً وإجابات قليلة جداً.
فى وقت متأخر من ذلك اليوم سمعت
ضجيجاً . نهضت ونظرت عبر قضبان زنزانتى بالسجن . كان هناك شرطى قادم ومعه
شخص . لقد كانت إيماليا .
فتح الشرطى باب الزنزانة ثم تركنا . تحدثت
إيماليا أولاً .
" أوه ، ليلى . أنا آسفة لما حدث . يجب أن
تسامحينى " .
سألت فى دهشة : " أسامحك على ماذا ؟ " .
قالت
إيماليا : " سامحينى لأن خطأى هو سبب وجودك هنا . كنت غاضبة جداً عندما
جعلك الدكتور حافظ مسئولة عن فريق التنقيب . أردت أن أكون أنا المسئولة .
وعندما اكتشفت أنت القناع الذهبى لم أستطع أن أتحمل أكثر من ذلك . فسوف
تنالين التقدير . وسوف يظهر اسمك فى جميع الصحف وفى التليفزيون . بالصدفة
بعد عثورك على القناع الذهبى وجدت أنا الأرنب الذهبى الصغير . لم أبلغ
أحداً واحتفظت به سراً . وضعته بين ملابس العمل الخاصة بك لكى أسبب لك
المتاعب . لم أكن أتوقع أنهم سوف يودعونك السجن . لقد كان تصرفاً ينم عن
الغباء . لكنك عندما تكونين غاضبة وتشعرين بالغيرة فإنك لا تفكرين . أوه ،
أرجوك سامحينى " .
قلت بهدوء : " أفهم ذلك يا إيماليا " .
قالت
إيماليا : " لقد شرحت كل شئ للشرطة . أنت حرة . إن معى سيارة بالخارج " .
غادرنا
قسم الشرطة . ركبنا السيارة وانطلقت بها إيماليا .
قلت : " إيماليا
. هل لديك أى فكرة من سرق القناع الذهبى ؟ " .
أجابت : " لا . ولكن
عندى فكرة عن المكان الذى يحتمل أن يوجد فيه مارتن لاندر . وقد تكون هناك
صلة بين الاثنين . إننى أشعر يقيناً أنهم متصلين . عندما قابلته فى كوينكو
قال لى أنه حريص جداً على الذهاب إلى أكومايو . هناك حفريات أخرى تجرى هناك
. يحتمل أنك لم تعلمى بهذا " .
قالت : " لا ، لم أعلم " .
قالت
إيماليا : " مشكلة هذه الدولة هى شبكة الطرق . فالطرق سيئة . ومن الممكن
أن يستغرق الوصول إلى بعض الأماكن أياما إذا كان الجو سيئاً " .
سألت
: " كم يستغرق الوصول إلى أكومايو ؟ " .
أجابت إيماليا : " خمس
ساعات إذا لم تحدث أى انهيارات أرضية".
" هل سنتصل بالدكتور حافظ ؟
".
قالت إيمايل : نعم . سوف أتصل به بتليفونى المحمول " .
طلبت
الرقم . قالت : " أوه ، مرحبا يا دكتور حافظ . أنا إيماليا إننى مع ليلى
... نعم لقد أطلقوا سراحها ... سوف أشرح لك كل شئ فيما بعد . نعتقد أننا
نعلم أين ذهب لاندر . نعتقد أنه سوف يكون فى موقع الحفريات بالقرب من
أكومايو . قد يكون لدينا وقت بالكاد للحاق به ... " .
********
بدأنا
الرحلة فى اتجاه أكومايو . كان الطريق ضيقاً ، وكلما صعدنا إلى أعلى فى
الجبال صار الجو سيئاً . سرعان ما بدا وكأننا فى ضباب ، ولكنى أدركت فجأة
ن،ه سحاب . كنا على ارتفاع شديد جداً لدرجة أننا كنا مسافرين عبر السحاب .
كانت قيادة السيارة صعبة وخطرة . فعلى أحد الجانبين كان هناك جرف صخرى
منحدر إلى أسفل لمئات ومئات من الأمتار . وعلى الجانب الآخر يوجد طرف الجبل
. عندما نزل المطر سقطت الصخور من طرف الجبل على الطريق . كانت إيماليا
سائقة ماهرة . قادت السيارة بأسرع ما يمكن . إلا أن ذلك لم يكن سريعاً جداً
فى مثل هذه الظروف الجوية . من وقت لآخر كنا نرى فجأة شاة أو معزة تظهر
أمامنا من بين السحاب مثل الشبح . أخيراً خرجنا من السحاب . وأصبحنا فوقه .
كل ما استطعنا رؤيته هو قمم الجبال وهى تبرز مثل الجزر فى بحر من السحب .
شعرنا وكأننا داخل طائرة .
الفصل التاسع
(مسألة حياة أو موت )
فجأة أصبحنا داخل سحاب كثيف مرة أخرى . حدث كل
ذلك بسرعة كبيرة . ربما فقدت إيماليا شيئاً من تركيزها . أو ربما كان السبب
أن الطريق تغير اتجاهه بشكل ملحوظ . بدأت السيارة تنقلب على أحد جوانبها
وتتدحرج فوق الحافة . كان هناك صوت تحطم هائل ، وهبطنا إلى أسفل .... وفجأة
أصبح كل شئ مظلماً .
استيقظت وكانت السحب قد انقشعت ، ويمكن رؤية
الطريق وأودية الجبل . كنت أشعر بألم فى ساقى وذراعى وكان الدم على وجهى من
أثر جرح ، ولكنى لم أعتقد أنه حدث بى أى كسور . كنا لا نزال داخل السيارة .
وكانت رأساً على عقب فوق جزء ناتئ من الجبل . نظرت حولى .انتابنى شعور
غريب وأصاب رأسى الصداع . لم تتحرك إيماليا . لم أكن متأكدة إن كانت ميتة
أم لا .
قلت : " إيماليا " .
لم تجبنى .
قلت مرة
ثانية : " إيماليا " . فى هذه المرة رأيتها تتنفس . وضعت سترتى فوقها
وأمسكت بيدها .
بعد لحظات قليلة فتحت عينيها .
قالت بصوت
ضعيف : " ماذا حدث ؟ " .
قلت : " لقد وقع لنا حادث . يجب أن نطلب
مساعدة " .
قالت : " لا أستطيع التحرك . من المؤكد أن بى كسراً .
ساقى . إنها تؤلمنى فعلاً " .
كنت قد تدربت على الاسعافات الأولية .
كنت أعرف كيفية عمل الجبيرة . كان من الضرورى أن أجعلها مرتاحة أولاً قبل
محاولة إحضار المساعدة . كان على أن أفعل شيئا ـ وبسرعة . على مثل هذا
الارتفاع يمكن أن تموت بسرعة بسبب البرد إذا كانت مصابة على نحو خطير .
كان
صعباً للغاية أن اخرجها من السيارة . كانت تشعر بألم شديد لدرجة لا يمكن
تحملها تقريباً . أخيراً أخرجتها من السيارة وأرقدتها على الأرض . كان معنا
بطانيتان فى السيارة . وضعت واحدة منهما تحتها وواحدة فوقها . ثم قمت بعمل
جبيرة لها . كانت شجاعة جداً . كانت تتحلى بصلابة أهل إنكا القدماء .
بعد
ذلك بحثت عن التليفون المحمول . فى البداية لم أتمكن من العثور عليه ،
ولكن بعدها رأيته على الأرض خارج السيارة . فتحت الجهاز لتشغيله فلم يعمل
لأنه كان مكسوراً .
قلت : " أوه . لا ! " .
قالت إيماليا : "
ليلى ، يجب أن تنقذى نفسك . اتركينى هنا . حاولى أن تحضرى مساعدة ، ولكن
ربما يكون قد فات الأوان . هناك عدد قليل جداً من الناس فى الجبال . قد
يستغرق الأمر أياماً قبل أن يعثر علينا أحد . لكنك يجب أن تحاولى " .
كان
من الواضح لى أنها كانت ضعيفة .
قلت : " إيماليا . سوف أذهب لأحضر
مساعدة . لا تقلقى " .
" ليلى ، قبل أن تذهبى . يجب أن أخبرك عن
مارتن ، فى حالة ما إذا عدت إلى بعد فوات ألأوان . أريدك أن تعرفى عنه .
عندما رأيتينى فى كوينكو أتحدث إليه ربما اعتقدت أننى كنت أعمل معه " .
قلت
: " هذا صحيح . أنا اعتقدت ذلك بالفعل " .
قالت : " حسناً . هذا
ليس صحيح . فكما تعرفين أنه كان يعمل مهندس تعدين . كان يعمل مع والدى.
أقنع والدى أن يدفع بعض المال من أجل منجم فضة قال مارتن إنه عثر عليه .
لكن هذا لم يكن صحيحاً . لم يكن هناك منجم . وخسر والدى كل ماله . حينئذ
كنا فقراء حقاً . كان الوضع صعباً جداً . وكل ذلك بسببه . ثم كان ذلك اليوم
فى كوينكو حيث رأيته فى الميدان . أعتقد أنه كان ينتظر أحداً . ذهبت
لأتحدث معه لأننى كنت مازلت غاضبة بشأن ما فعل بوالدى " .
قلت : "
أوه إيماليا . ما أفظع ذلك " .
" هذا هو سبب رغبتى فى أن أحضر معك
لنحاول الإمساك به . عندما علمت أن الشرطة قد قبضت عليك أدركت أننى قد
أخطأت . وأدركت ما هو واجبى " .
قلت : " إيماليا . أنا فهمت . وإننى
لآسفة للغاية لأننى ظننت بك السوء . أعدك أن أفعل كل ما أستطيع للإمساك
بهذا الرجل . وسأذهب لإحضار المساعدة الآن " .
" ليلى ، إذا وجدت
أحداً يجب أن تقولى ( أيودا مى رونتو ، بور فافور ) بمعنى ( من فضلك ساعدنى
ـ بسرعة ) . اذهبى فى اتجاه أكومايو . قد تصلين إلى قرية على الطريق " .
تسلقت
جانب الجزء البارد من الجبل ووصلت إلى الطريق .
مشيت فى اتجاه
أكومايو مثلما قالت لى إيماليا . بدا لى أننى مشيت لفترة طويلة لكن فيما
بعد أدركت أن المسافة لم تكن بعيدة . كان كل جسمى يؤلمنى من أثر ارتطام
السيارة ولم أستطع المشى بسرعة . أخيراً وصلت إلى عدد قليل من المنازل
الفقيرة . رأيت امراة تعمل خارج أحد المنازل . قلت ( أيودا مى برونتو بور
فافور ) نظرت إلى باستغراب . لم يبد أنها تفهمنى . علمت بعد ذلك أن العديد
من الناس فى الجبال يتحدثون الكويتشووا فقط وهى لغة أهل إنكا ، ولا يتحدثون
الأسبانية . دخلت المرأة إلى المنزل وخرج رجل . كررت قولى ( أيودا مى
برونتو بور فافور ) . أومأ الرجل برأسه . أشرت فى اتجاه السيارة . استخدمت
يدى لعمل إشارات تصور سيارة تنقلب على جانب الجبل . بعد ذلك قمت بعمل
المزيد من الإشارات التي تبين إصابة شخص . أومأ الرجل مرة اخرى . عاد إلى
داخل المنزل . عندما خرج مرة أخرى كان يحمل قطعتي طويلتين من الخشب وبينهما
قماش سميك . ظهرت امرأة أخرى وانطلقنا نحن الأربعة فى اتجاه السيارة .
عندما
رجعنا إلى السيارة كانت السماء تمطر . كانت إيماليا تبدو شاحبة جداً ولم
ترد علينا فى البداية . وأخيراً فتحت عينيها قليلاً . قلت : " لقد وجدت بعض
المساعدة . هؤلاء الناس سوف يساعدوننا " .
وضعنا إيماليا على
السرير الذى كان يشبه المحفة التى رأيتها فى حلمى المزعج بالكهف . حملناها
ببطء وبصعوبة شديدة إلى الطريق . اندهشت لمدى قوة ذلك الرجل والمرأتين .
فى
النهاية وصلنا إلى المنازل . أخذوا إيماليا إلى الداخل وأعطوها مشروباً
ساخناً وبعض أوراق النبات لتمضغها .
قال الرجل : " بوينو " .
كنت
غير متأكدة . كنت قلقة جداً على إيماليا .
****
تلك الليلة
نمت فى سرير خشن بجوار إيماليا . كانت تصرخ من الألم كثيراً وكان من شبه
المستحيل أن أنام . فى الصباح أحضرت النساء لى نوعاً من الشاى المر وبعض
الخبز . واستمروا فى إعطاء إيماليا مشروبات ساخنة وأوراق النبات لتمضغها .
أردت
أن أحضر طبيباً بأسرع ما يمكن . فهمنى الرجل . قال : "بوز ، بوز" أخيراً
فهمت أنه يقصد الأتوبيس ! من المؤكد أن هناك أتوبيس يأتى من هذا الطريق .
وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى مر أتوبيس على الطريق . مد الرجل يده فتوقف
الأتوبيس . تحدث إلى السائق . ثم التفت إلىّ وقال : " إلى أكومايو ، مضبوط "
. صعدت الأتوبيس حيث أجلسني أحدهم . كان الأتوبيس مليئا بالركاب الذاهبين
إلى السوق . كان لديهم دجاج وفروج وصناديق ولفائف .
بعد ساعة من
الزمن وصلنا إلى أكومايو . لحسن الحظ كان لدى بعض العملات المعدنية
البيروفية ووجدت هاتفا عموميا .
عندما فتح خط الاتصال التليفونى
صرخت قائلة : " دكتور حافظ ، دكتور حافظ " . كان الخط سيئا جدا . " إننى فى
أكومايو . إن إيماليا ... " فجأة انقطع الاتصال . حاولت مرة ثانية .
وللمرة الثانية ينقطع الاتصال . حاولت مرة أخرى . حدث نفس الشىء .
قررت
أنه يجب علىّ أن أجد طبيبا . رأيت بعض اللافتات مكتوبا على أحدها كلمة
أسبانية من المؤكد أن معناها يشبه كلمة طب حسبما اعتقدت . دخلت . كان
بالداخل مساعدة شابة . كانت تتحدث قليلا من اللغة الانجليزية . قلت : "
إننى فى حاجة إلى طبيب لأمر عاجل . تعرضت صديقتى لحادث اصطدام سيارة . إنها
مصابة بشدة " .
طرقت الشابة بابا ودخلنا إلى غرفة أخرى . بدأت
تتحدث إلى امرأة تجلس إلى مكتب . هذه المرأة كانت طبيبة وتتحدث الانجليزية .
أدركت سريعا أن الأمر عاجل . التقطت معطفها وفى خلال بضع دقائق كنا داخل
سيارتها على الطريق إلى القرية .
عندما وصلنا إلى القرية ، دخلنا
جميعا إلى المنزل . كانت إيماليا أكثر هدوءا إلا أنها كانت تبدو فى حالة
سيئة . طلبت منى الطبيبة أن أخرج . خرجت وجلست على صخرة . دار برأسى العديد
من الأفكار . كان كل شىء قد بدأ جيدا جدا والآن قد أخفق كل شىء . بينما
كنت أفكر فى هذه الأشياء ، نظرت عيناى إلى أعلى جانب التل . لاحظت شيئا –
إنه نمط من تصميمات الصخور بدا وكأنه مألوف لى .
فى تلك اللحظة خرجت
الطبيبة .
قالت : " المستشفى الآن ! "
دخلنا السيارة وعدنا
إلى أكومايو . دخلت الطبيبة إلى مكتبها . التقطت التليفون وتحدثت على عجل .
بعد ذلك قالت شيئا لمساعدتها .
قالت الطبيبة : " طائرة هليكوبتر
قادمة لتأخذ صديقتك . إنها فى حاجة إلى دخول مستشفى بسرعة . عربة الاسعاف
سوف تستغرق وقتا طويلا للغاية . إنها مسألة حياة أو موت " .
عدنا
بالسيارة إلى القرية . سرعان ما سمعنا صوت الطائرة الهليوكبتر . هبطت على
الطريق القريب من المنزل . وبسرعة وضع رجلان إيماليا داخل الهليكوبتر ودخلت
أنا بجوارها . لوحت بيدى مودعة الرجل والنساء فى القرية . كانت المساحة
داخل الطائة الهليكوبتر تسعنا نحن الأربعة بالضبط . أقلعنا ولم يمض وقت
طويل حتى كنا فى المستشفى فى كوزكو. لم أكن قد ركبت طائرة هليكوبتر من قبل .
لقد كانت عبارة عن آلة صغيرة جدا تطير بقرب شديد من قمم الجبال . إلا أننى
فى هذه المرة لم أكن خائفة . لم أفكر سوى فى إيماليا وفى رغبتى الشديدة فى
الامساك بمارتن لاندر .
فى اليوم التالى كانت إيماليا فى حالة أفضل
قليلا . وصل الدكتور حافظ مع رامون . واخبرنى بما قد حدث .
قال
الدكتور حافظ : " كنت أشك فى بابلو . تعرفين أنه ذهب إلى كوينكو ليقابل
موظفى اليونسكو . قررت أن أذهب وأجده هناك . وصلت فى الوقت المناسب . كان
على وشك المغادرة .
قال لى أنه كان متعبا ويشعر بالاثارة فى ذلك
اليوم الذى وجدنا فيه القناع الذهبى وأنه ترك المفتاح فى الكوخ بطريق الخطأ
. من المؤكد أن أحدا تسلق من خلال الشباك المفتوح وفتح الخزانة بالمفاتيح .
لم أدر هل أصدقه أم لا . قلت له أننى أثق به . أخبرته أن جميع أعمالنا معا
تعتمد على مساندة اليونسكو . إذا فقد القناع الذهبى أو سرق فقد يتوقف
المشروع .
لم يقل شيئا . وقف هناك أمامى فى صمت . لم أدر ماذا أفعل
أو ماذا أقول . وعند ذلك خطرت لى فكرة .
أخبرته أن البوليس قد قبض
على مارتن لاندر . كنت أعلم أن ذلك ليس صحيحا . ولكنى أردت أن أرى إن كان
بابلو سيقول أى شيء وكيف أنه كان يحصل على القليل من المال . أخبرنى أن
لديه طفل مريض وأنه كان يحتاج أن يدفع ثمن الأدوية الباهظ .
لم أعرف
ما كان ينوى أن يقول بعد ذلك . لكن عندئذ أخبرنى أنه عمل مع لاندر من قبل .
وأنه قد قابل لاندر فى كوينكو . كان ذلك يوم أن رأيت إيماليا تتحدث إلى
لاندر فى الميدان . فقد عرض عليه لاندر الكثير من المال مقبل القناع الذهبى
.
فى النهاية ، أخبرنى بابلو أنه يجب أن يقابل لاندر الليلة فى
الساعة الثامنة هنا فى كوزكو " .
قال رامون : " لكن هذا فى غضون
ساعتين من الآن " .
قلت : " فلننصب فخا بأن نترك بابلو يقابل لاندر .
وسوف نتبعه ونقبض على لاندر " .
أجاب الدكتور حافظ : " إن هذا
يبدوا خطيرا جدا . فلنتصل بالشرطة " .
قلت : " ليس هناك وقت للاتصال
بالشرطة . علينا أن نمسك بلاندر . إننى وعدت إيماليا . يجب أن أفعل ذلك من
أجلها " .
الفصل العاشر ( أخيرا
تم
القبض عليه )
بعد
مرور ساعة من الزمن كنت أنا والدكتور
حافظ ورامون فى سيارة نتعقب سيارة
أجرة عبر شوارع كوزكو . ذهبت سيارة
الأجرة إلى شارع صغير فى الجزء القديم
من المدينة . توقفت سيارة الأجرة
. خرج بابلو ودخل أحد المنازل . بعد مرور
بضعة دقائق خرج واستدعى سيار
أجرة أخرى وذهب .
انتظرنا
سويا. بعد ساعة تقريبا فتح باب
المنزل وخرج مارتن لاندر . ركب شاحنة نقل
صغيرة كانت واقفة بالقرب منه
وانطلق . تعقبناه .
قال
الدكتور حافظ بعد بضع دقائق : " إننى
لأتساءل أين هو ذاهب ؟ "
أجاب
رامون : " أعتقد أنه ذاهب إلى
المطار . لكن ليس إلى المدخل الرئيسى " .
تعقبنا
شاحنة لاندر
إلى الجانب البعيد من المطار . كان كل شىء مظلما . أطفأ رامون
الأنوار
الأمامية للسيارة . فقد كان من السهل جدا على لاندر أن يعرف أن
أحدا
يتعقبه . أوقف لاندر شاحنته وخرج ثم فتح بوابتين معدنيتين باستخدام
مفتاح
.
صرح رامون : " يجب أن نوقفه الآن . قبل أن يعود إلى
شاحنته
ويغلق البوابات مرة أخرى " .
أوقف رامون سيارتنا
على بعد خمسين
مترا . فتحنا الأبواب وجرينا فى الظلام فى اتجاه لاندر . كان
لاندر
رجلا ضخما قويا ومن عادته أن يقاوم . لم أدر ما إذا كان فى
استطاعتنا
أن نوقفه . لكن كان فى صالحنا ميزة المفاجأة . تمنيت فقط ألا
يكون لديه
مسدس . عند ذلك خطرت لى فكرة . كان محرك شاحنة لاندر يدور . وكان
الباب مفتوحا . قفزت داخل الشاحنة وأغلقت الباب ثم ضغطت على زر القفل
الأوتوماتيكى
. جعلت الشاحنة فى وضع السرعة الأولى وانطلقت بقوة فى اتجاه
لاندر .
حاول الوصول إلى شىء داخل جيبه – ربما مسدس ، إلا أن الشاحن كانت
تقترب
أكثر . التفت لاندر وجرى . تعقبه رامون . دار لاندر حول منعطف تعقبته
بالشاحنة حيث كانت الأنوار الأمامية تظهر مكان وجوده . كان هناك أمامنا
طائرة
صغيرة ذات محرك واحد . فى لحظة واحدة كان لاندر قد فتح باب الطائرة
وأدار
المفتاح ليبدأ تشغيل المحرك . حاول رامون أن يقفز على جناح الطائرة
ويفتح
الباب لكن المحرك بدأ يدور وشرعت الطائرة فى التحرك . لم أدر ماذا
أفعل
. لم يكن لدى سوى ثانية واحدة لأقرر . وضعت قدمى على دواسة البنزين
وانطلقت
بأقصى ما يمكن نحو الطائرة . حدث اصطدام به . صدمت الشاحنة جانب
الطائرة
وأوقعتها على جنبها . قمت بتشغيل الفرامل . وضعت ذراعىّ ورأسى على
عجلة
القيادة . كنت أرتعش .
" من المؤكد أنه اصطدم برأسه فى
سقف
الطائرة . لقد فقد الوعى " كان هذا صوت رامون .
كان
رامون على
جانب الطائرة الذى كان حينئذ متجها إلى أعلى فى الهواء . قال "
سأحاول
أن أدخل " . لكنه لم يستطيع أن يفتح الباب .
خرجت
من الشاحنة .
لم أكد أستطيع أن أمشى .
قال الدكتور حافظ : "
ليلى ، إنك
رائعة – مدهشة ! لا تقلقى الآن . لقد اتصلت بالشرطة " .
وعندئذ
سمعت صفارات إنذار سيارت الشرطة ورأيت أنوارهم الزرقاء المتقطعة .
قال
الدكتور حافظ : " أعتقد أن هذه هى نهاية عمل السيد لاندر فى مجال الآثار "
.
رجعنا إلى قسم الشرطة . هذه المرة لم أجد بأسا فى الذهاب
.
أخبرنا الشرطة بما حدث بالضبط .
قال رئيس الشرطة : " سوف
نستجوب السيد لاندر أولا . وسوف نعرفكم ما نكشف " قرر الدكتور حافظ أننا
يجب
أن نذهب إلى كوينكو لنستريح لبضعة أيام قبل البدء فى العمل مرة أخرى .
لكنى
أردت أن أرى إيماليا أولا . ذهبنا إلى المستشفى فى
كوزكو . كانت لا
تزال فى الفراش ولكن كانت تبدو أحسن حالا .
أبلغناها بالأخبار .
حاولت أن
تبتسم
. لم يكن ذلك من السهل عليها .
بعد
مرور يومين أقلنا
رامون فى السيارة إلى كوينكو . تلقى الدكتور حافظ فى
اليوم التالى
مكالمة تليفونية من رئيس الشرطة حيث قال : " لقد وجدنا القناع
الذهبى
والأشياء الأخرى التى سرقها السيد لاندر من قبل " .
قال
الدكتور حافظ : " شكرا لله . الآن يمكن أن يستمر المشروع "
ذات
صباح كنت لأتناول طعام الافطار فى كوينكو مع الدكتور حافظ . فجأة خطرت لى
فكرة
.
بدأت بقولى : " دكتور حافظ . أود أن أعود القرية
الموجودة
على الطريق إلى أكومايو . أود أن أشكر أهل القرية الذين أنقذوا
إيماليا
" .
رد الدكتور قائلا : " هذه فكرة طيبة يا ليلى .
سوف أطلب
من رامون أن يأخذنا . أتمنى أن يكون الجو أفضل ما كان عليه عندما
ذهبت
مع إيماليا " .
بدأنا الرحلة . فى هذه المرة كان الجو
مثاليا .
كانت الشمس مشرقة واستطعت أن أرى الجبال والأودية شديدة الانحدار .
وصلنا
إلى القرية . صافحنا الرجل والنساء الذين ساعدونا من
قبل . كان رامون
يترجم لنا . عندئذ تذكرت شيئا رأيته من قبل عندما مشيت
على الطريق .
قلت
: " دكتور حافظ . أريد أن أريك شيئا .
فلنمش على الطريق قليلا ".
قال
: " إنك لن ترينى شخصين
غريبين يجلسان فى مقهى ، أليس كذلك ؟ " .
ضحكت
. واصلنا
المشى لمسافة أبعد قليلا . نظرت إلى أعلى نحو جانب الجبل .
قلت : " انظر
هناك إلى أعلى يا دكتور " .
نظر إلى أعلى . قال :
" يا إلهى
. إنها تشبه نمط تصميم قوالب الكتل الحجرية الموجودة بمقبرة
ملك تشيمو .
إن هذا لشىء مدهش ".
عدنا إلى كوينكو . فى اليوم
التالى
بدأنا العمل مرة أخرى . الآن لم يبق لى سوى أسبوع واحد آخر قبل
عودتى إلى
القاهرة .
كان الدكتور حافظ مشغولا جدا . لم أتحدث
معه
لبضعة أيام أخيرا جاء لرؤيتى .
قال : " ليلى ، لقد أرسلت
فريقا
إلى القرية من أكومايو وهم يعتقدون فعلا أنه موقع خاص بالإنكا . إن
العاملين
معنا لا يستطيعون العمل فى ذلك الموقع . إن لدينا الكثير من العمل
هنا
. لكن عند خروج إيماليا من المستشفى أريدها أن تقود الفريق الذى يقوم
بالتنقيب
عن الحفريات فى الموقع الجديد "
قلت : " هذا خبر
عظيم ! سوف
تكون مسرورة للغاية ."
* *
*
أثناء
رحلتى بالطائرة إلى نيويورك لم يكن هناك أحد
يجلس بجوارى . ولم أختر
مقعدا بجوار الشباك . لكن كان عندى العديد من
الذكريات واشياء كثيرة
جدا أفكر فيها لدرجة أن الوقت مر بسرعة . سرعان ما
كنت على متن طائرة
متجهة إلى القاهرة . كنت أتطلع لرؤية سميرة وعائلتى .
عندما اقتربنا من
الهبوط ، رأيت الصورة الظلية المألوفة للقاهرة –
الأهرامات والنيل .
هبطت
الطائرة وفتحت الأبواب . شعرت
بالحرارة فى الحال . أدركت أننى كنت قد
اعتدت درجات الحرارة الباردة فى
جبال الأنديز . لكنى شعرت بإثارة شديدة
لعودتى إلى وطنى .
بعد
أن أخذت أمتعتى دخلت إلى صالة الوصول .
كانت هناك سميرة ووالدى ، وحولهم
من كل جانب مصورون . كان هناك وميض
من الأنوار وأناس ينادون " آنسة القصبى !
" . " من فضلك ! يا آنسة
القصبى " . لم أكن أصدق ذلك .
فى
اليوم التالى كانت العناوين
الرئيسية للصحف حافلة بقصة عالمة الآثار
المصرية التى قامت باكتشافات
هامة فى أرض الإنكا . وعالمة
الآثار هذه قبضت على لص كان قد سرق
مصنوعات أثرية ثمينة